قرر الرسول ﷺ الهجرة لمّا علم أن العرب لن تسلم حتى تسلم قريش ، وقريش لا تفهم إلا منطق القوة ، وأنهم لن يقبلوا الإسلام إلا مرغمين
وهكذا قرر الهجرة إلى يثرب
أما يثرب فقصتها قصة أخرى ، فاليثربيون قد مات كل كبراءهم في حرب (يوم بُعاث) ، التي شبت بسبب مكائد اليهود بين الأوس والخزرج ، فآلت مشيخة الأوس لسيدنا سعد بن معاذ ، ومشيخة الخزرج لسيدنا سعد بن عبادة ، وكانا يافعين ، والحمل كبير ، ومكائد اليهود تتوالى ، وكان في إلقاء عبء الحكم على الرسول ﷺ الحل الأمثل ، هذا بالإضافة إلى أنهم كانوا يسمعون من اليهود عن قرب مبعث نبي وملِك مُحارب ذو بأس
فدعوا الرسول ﷺ ليكون قائد روحي وسياسي وإجتماعي لهم
وهكذا هاجر إليهم الرسول ، واستغرقت رحلته عشرةَ أيام ، ثم وصل وسيدنا أبوبكر قُباء ، في 23 سبتمبر 622 للميلاد ، وخرجت المدينة كلها لاستقبالهما ، وكان يومًا مشهودًا لم يشهد العرب مثله في تاريخِهم ، من قبل ومن بعد.
فلنتوقف هنا قليلاً ولنتحدث عن موضوع آخر
حيث ورد في سفر أشعيا ، الفقرة ٤٢ : ( لِتَرْفَعِ الْبَرِّيَّةُ وَمُدُنُهَا صَوْتَهَا، الدِّيَارُ الَّتِي سَكَنَهَا (قِيدَارُ) . لِتَتَرَنَّمْ سُكَّانُ (سَالِعَ) . مِنْ رُؤُوسِ الْجِبَالِ لِيَهْتِفُوا)
البرية : الصحراء
قيدار : ابن سيدنا إسماعيل الثاني ، وهو جد العرب العدنانيين
سالع : يخبرنا (قاموس الكتاب المقدس) أنه جبل في البتراء ، وبالفعل هناك جبل إسمه (سلع) ، وهو جبل محاذي للبتراء في محافظة الطفيلة جنوب الأردن ، ولكن هناك جبلين آخرين يحملان نفس الإسم ، الأول بين السعودية والإمارات ، والثاني في المدينة المنورة
فـ (السلوع) هي الشقوق والطرق في الجبال ، وبذلك (سالع) أو (سلع) تعني الجبل (ذي الطرق)
لكن ماذا لو لم يكن جبل الأردن المقصود بسفر أشعيا ، ماذا لو كان المقصود جبل (السلع) بالمدينة المنورة ، فـ(قيدار) ابن إسماعيل قد سكن مكة ، القريبة من المدينة والبعيدة عن البتراء والمنطقة بين السعودية والإمارات
لنعد لإستكمال حديثنا عن الهجرة ، حيث كان أهل المدينة يصعدون كل يوم فجراً إلى جبل السلع ، يتحرّون الرسول ، حتى إذا إشتد حر الظهيرة عادوا إلى بيوتهم.
وفي يوم الأثنين من ربيع الأول للعام الأول للهجرة ، كانت الشمس قد إشتدت ، فبدأوا بالهبوط من الجبل وبالعودة إلى بيوتهم ، وإذا بيهودي متسلق نخلة يرى ظلال رجلين يلوح بالأفق ، فصاح بأعلى صوته: "يا بني قيلة، هذا صاحبكم قد جاء" .
فيروي الإمام البيهقي وأبو الحسن الخلعي والحافظ في فتح الباري وأبي سعيد في (شرف المصطفى) أنهم إستقبلوه بنشيد :
طلع الـبدر عليـنا مـن ثنيـات الوداع
وجب الشكـر عليـنا مـا دعــــا لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطـاع
جئت شرفت المديـنة مرحباً يـا خير داع
الآن إقرأ سفر أشعياء : ( لِتَرْفَعِ الْبَرِّيَّةُ وَمُدُنُهَا صَوْتَهَا، الدِّيَارُ الَّتِي سَكَنَهَا قِيدَارُ. لِتَتَرَنَّمْ سُكَّانُ سَالِعَ. مِنْ رُؤُوسِ الْجِبَالِ لِيَهْتِفُوا) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق