الجمعة، 28 فبراير 2014

ثمود

 
 
 عندما سأل الثموديون نبيهم صالحاً أن يأتيهم بمعجزة
، كانت خطتهم أن يعجزوه ، لا ليؤمنوا ، فقد ضاقوا ذرعا بصالح وبرسالته وبالأمر كله

فسألوه أن يأتيهم بناقة ، يستحيل أن يأتيهم بها ، فمواصفاتها غير واقعية ، وهم ذوي خبرة ، الأعجب من ذلك كله ؛ أنهم طلبوا منه أن تخرج الناقة من صخرة ، يجتمعون عندها ، يقال لها الكاتبة -بسبب شبهها ليد تمسك بقلم-
لابد أنهم نظروا إلى بعضهم متعجبين عندما إستبشر صالح وتهلل وجهه وبدأ يأخذ منهم العهود والمواثيق لئن أجابهم الله إلى طلبهم ليؤمنون به ويتبعونه
فما طلبوه غير قابل للتنفيذ وهو المستحيل بعينه

لكنهم أعطوه عهودهم مطمئين ، فلن يقدر على تنفيذ طلبهم ، لقد غلبوه هذه المرة ، وسيرتاحوا منه إلى الأبد
 

قام صالح ﷺ إلى صلاته ودعا الله وأطال ، والثموديون يراقبونه بتعجب ؛ ماذا يفعل ؟ فتحركت الصخرة ، ثم بدأت تتصدع ، ويتطاير منها الغبار ، ويتدحرج الصخر ، وبدأ ما يشبه الناقة يظهر بين الصخور ، ثم نهضت وهي تنفض عنها الغبار

إذا ما دققنا النظر في صورة #جوجل إيرث ؛ نلاحظ صخرة عظيمة تشبه اليد ، ومتصدعة عن شكل يشبه الناقة
طول الصخرة ألف وخمسمائة متر ، وعرضها 700 متر ، وارتفاع مائة متر عن الأرض المحيطة بها ، وهي يمين الوادي ، كما ورد في البداية والنهاية لابن كثير
 
 
 
 
وفقا النويري في نهاية الأرب والكسائي في قصص الأنبياء ؛ كان الثموديين دقيقين في أوصاف الناقة التي طلبوها ، وكانت أوصافا تعجيزية
فالقصد لم يكن المعجزة ولكن كف دعوة سيدنا #صالح ﷺ عنهم ونصحه المستمر

فعندما وافق وإشترط عليهم أن يكون لها شرب يوم , ولهم ولإبلهم شرب اليوم التالي ، لم يتناقشوا بالأمر ، لأن الأوصاف التي طلبوها مستحيلة وخصوصا آخرها ؛ أن تخرج من صخرة (الكاتبة) التي يتعبدون عندها
ولكن عندما ضرب النبي صالح ﷺ الصخرة ، وبدأت ترتج ويتطاير منها الغبار ، ويتساقط منها الحصى ، وتكبر كبطن الحامل ، ثم تتشقق وتخرج الناقة

لم يعد هناك ما يفعلون ، لقد وضعهم النبي في موقف محرج ، خصوصا وأن علية القوم وكبراءهم عاهدوه وأعطوه كلمتهم بأنهم سيؤمنون إن أخرج لهم الناقة من الصخرة


كانت المشكلة الكبرى ؛ في الشرط الذي غفلوا عنه والذي أخذه عليهم النبي ، وهي شرب اليوم
فقد إشترط عليهم أن تشرب إبلهم يوم كامل ، ثم تشرب ناقة الله اليوم الذي يليه ، لكن في يومها كانت تشرب ماء ثمود كلها ، فعندما يأتي اليوم التالي لا تجد إبلهم ماء تشربه ، وبدأت الإبل تضمر ويقتلها العطش
وثمود كانت ثرية وثرائها مصدره تربية الإبل وبيعها لقوافل أبناء عمومتهم الأنباط القريبين منهم في البتراء ، والتي كانت تصدر البضائع حتى إيطاليا
فضاقوا ذرعا ، وتذمروا ، واجتمعوا ، وتشاوروا ، ثم قرروا
قتلها
 
 

بعد قتل ناقة الله ، أعطى النبي صالح ﷺ ثمود مهلة غريبة ، لمدة ثلاثة أيام ؛ (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام)
وهي ربما تشبه رغبة المحكوم عليهم بالإعدام ، حيث لم تكن التوبة معروضة عليهم بل العذاب المحتوم
وأخبرهم أن ألوان وجوههم ستتغير في كل يوم من الأيام الثلاثة ؛ أولا الأصفر ثم الأحمر فالأسود
لم يهتموا في يومهم ذلك ، ولكن عندما استيقظوا صباحا ليجدوا أن وجوه الناس كلها مصبوغة باللون الأصفر ، عرفوا ، أخيرا ، وبعد كل ما قال وفعل ، عرفوا توا أن صالحا لم يكن كاذبا
الغريب كان ردة فعل الثموديين عندما تجمعوا في الطرقات ، ينظر أحدهم إلى وجه الآخر ، وكأنه أحدا قد لون وجوه الناس كلها
الغريب أنهم لم يفزعوا ويلجأوا إلى الله ، كما هو طبيعي
بل قرروا أن يستمتعوا بما بقي لهم من أيام ثلاثة في الدنيا
فانغمسوا بشرب الخمر واللعب واللهو والضحك ، طوال الثلاثة أيام
وفي كل يوم يعجبون من ألوان وجوههم ويتندرون عليها ، وينتظرون شروق الشمس ليروا كيف ستكون ألوانهم
 
 

قبل نهاية اليوم الرابع ، وبوجوه مسودة قاموا بحفر قبورهم ، على هيئة غرف كبيرة ، مكثوا بها ، ينتظرون الشروق ، وهم يستغلون كل لحظة في التمتع بالحياة

حتى جاءت صبيحة اليوم الرابع ... أتتهم الصيحة من السماء أولا ... صيحة (فيها صوت كل صاعقة ، وصوت كل شيء له صوت) ... تبعها زلزال عنيف -ربما سببته الصيحة-
ثم توقف كل شيء