الأحد، 18 يناير 2015

أبو العتاهية والرجل في سجن المهدي

يروي أبو العتاهية ؛ "زهدت وتنسّكت وأقبلت على الله ، فإمتنعت عن قول الشعر ، وكنت شاعر الخليفة العباسي (المهدي)"

"فأنذرني ، فأبيت ، فأُخذت من بيتي وأُلقي بي في السجن ، فنظرت حولي إلى المساجين والمنسيين هناك ، ومنهم من يبكي ، واليائس الصامت ، ومن يندب حظه علناً ، وبينهم رجل نظيف وقور هادئ ، فجلست بجانبه ، أفكر فيما أصابني ، فقال الرجل فجأة :

تعوّدت مسّ الضر حتى ألفته 
وأسلمني حسن العزاء إلى الصبرِ

وصيّرني يأسي من الناس واثقاً
بحسن صنيع الله من حيث لا أدري

"فأعجبني بيتيّ الشِعر ، فقلت له : هلا تتفضل -أعزّك الله- بإعادة هذين البيتين"

فقال : ويحك ، ما أسوأ أدبك ، جلست بجانبي ولم تسلّم بتسليم المسلم على المسلم ، ولا توجعت لي توجع المبتلي للمبتلي ، ولا سألتني مسألة الوارد على المقيم ، حتى سمعت مني بيتين من الشعر ، فإستنشدتني إياهما.

"فإعتذرت منه ، وأخبرته مصابي"

فنظر إلي بإستنكار وقال : وفي أي شيء أنت ! ، إنما تركت قول الشعر وهو جاهك عندهم ، فحبسوك حتى تقوله ، ولابد أنك ستقوله لاحقاً ، فتطلق وتعود إلى بيتك ، أما أنا فيطالبونني بأن أدلهم على (عيسى بن زيد بن علي بن الحسين) ، فإن دللتهم عليه لقيت الله بدمه ، وخصمي رسول الله فيه ، وإن لم أدلهم قتلوني ، فكما ترى أنا أولى بالحيرة واليأس منك ، وأنت ترى صبري وإحتسابي.

"فخفضت رأسي خجلاً منه" ، فقال : لا أجمع عليك التوبيخ والمنع 

"وأعادهما علي ، حتى قاطعه صراخ الجند ، بإسمي وإسمه ، فقمنا ، فجرونا جراً إلى الخليفة ، حتى وقفنا بين يديه ، فقال بلا أن ينظر إلينا : أين عيسى بن زيد؟

فأجابه الرجل : وما يدريني ، هو هارب ، وأنا محبوس ، فكيف يعرف محبوس بمكان الهارب؟

فقال : لتدلني عليه ، أو لأضربن عنقك.

فقال : إصنع ما بدا لك.

"فضربت عنقه ، فوجمت أنظر إليه وإلى رأسه المقطوع ودمائه"

فقال الخليفة لي : أتقول الشعر ، أم ألحقك به.

فبينما أنا واجم مذهول ، رددت بيتي الشِعر :

تعوّدت مسّ الضر حتى ألفته 
وأسلمني حسن العزاء إلى الصبرِ

وصيّرني يأسي من الناس واثقاً
بحسن صنيع الله من حيث لا أدري

"فإستحسن الشِعر ، وقال : أطلقوه"



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق