الجمعة، 5 سبتمبر 2014

السايكوباثيين




 
psychopath
نعجب من سلوك الناس العنيف ، من حولنا ، كل يوم . سواء الجيران , أم زملاء في العمل ، أم في مراكز التسوق ، أو الشارع ، سائقي السيارات ، ومرتادي المقاهي ، والمطاعم والعاملين فيها، المصلين في المساجد ، مشجعي كرة القدم في الملاعب ، وحتى اللاعبين أنفسهم.
 

لماذا السلوك العدواني المؤذي غير المبرر عند كثير من الناس؟ دعونا لا نبرئ أنفسنا كثيراً ، فكلنا (سايكوباثيون) ، بنسبة ما .


السايكوباثي : شخص غير سوي ، ذي سلوك إجرامي، وتتشكل ميوله المريضة منذ الطفولة ، وربما يرثها من والديه ، او من تأثيرات عصبية او هرمونية ، أو ظروفه البيئية والتربوية.



ولأنه يتمتع بذكاء يفوق الأشخاص الطبيعيين، فيسهل عليه التأثير بالآخرين والتلاعب بعواطفهم وأفكارهم ، فهو يتميز بعذوبة الحديث ، واللطف ، واللباقة ، والقدرة على استيعاب هموم الآخرين وآمالهم . فينخدعون بصفات السايكوباثي الظاهرية والمؤقتة . والتي تختلف كلياً عن حقيقته التي تتكشف مع الوقت .



ويعتاد ( السايكوباثي ) الكذب والاحتيال والإيذاء والتخريب منذ طفولته ، وتترسخ هذه الصفات كلما كبر ، ويصبح الكذب نمطا ثابتاً بسلوكه ، حتى ان لم يعد عليه بأي فائدة، فهو يكذب لمجرد الكذب ، ويسرق التافه والثمين ، ويؤذي من يعرف ومن يجهل ، ويخرب كل ما يمكنه تخريبه ، وينافق ويتسلق ظهور الاخرين ، ويشبع غرائزه ونزعاته . ولا يشعر بالذنب تجاه ما يقترف وما يلحق من أضرار ومصائب بالآخرين.


السايكوباثية من الموروثات الجينية ، فكلما كان الوالدان أو أحدهما سايكوباثي بنسبة عالية ، كان إستعداد الأبناء لأن يكونوا سايكوباثيين قويا .
 


 لكن من أين أتى هذا الجين العنيف في المقام الأول؟

نحن نعلم إن سيدنا آدم وسيدتنا حواء عليهما الصلاة والسلام كانا يعيشان ببراءة الأطفال حتى وسوس لهما الشيطان وأكلا من الشجرة ، فتغيرا نفسياً فسيولوجياً ، وأخذا يستتران بورق الشجر خجلا مما كان ماثلاً أمامها طوال الوقت ، فقد غيرتهما الثمرة للأبد ، وستغير كذلك نسلهما: "قال إهبطوا بعضكم لبعض عدو".

فقد مثّل أحد إبنيهما (حالتهما) ما قبل الأكل من الشجرة ، بينما جاء الآخر مثقل بجين الثمرة المحرمة ، فكانا : أول (سايكوباثي) ، ونقيضه : أول (لاسايكوباثي).
 

فقد قدم قابيل ببخل وأنانية : حزمة من أسوأ مزروعاته قربانا لله ، بينما تقرب هابيل بأفضل كباشه 
، وهذا يدل على تضاد نفسية وشخصية كل منهما ، حتى عندما ظهرت النتيجة ، لم يقبل بها قابيل وفورا ظهر جانبه العنيف { قال : لاقتلنك } لهابيل . فجاء رده { لئن بسطت اليّ يدك لتقتلني ما انا بباسط يدي اليك لاقتلك ، اني اخاف الله ربّ العالمين } 
هذا المشهد الحواري المختصر يلخص لنا صفات السايكوباثي واللاسايكوباثي .


- psychopath:
هابيل ؛ كريم ، مسالم ، هادئ غير إنفعالي ، طيب ، مطيع للقوانين ، منفتح للحوار ، يزن الأشياء بنتائجها ، مستعد للتضحية حتى بنفسه من أجل مبدأ ، يحب الآخرين ، ويمثل طبيعة والديه قبل الأكل من الشجرة.

+ psychopath:
قابيل ؛ حسود ، حقود ، انفعالي ، عنيف ، متمرد على القوانين ، أناني ، تحكمه غرائزه ، وليس لديه استعداد للتفاهم والحوار ، قانون الأخذ والقوة يحكم عالمه ، كل ما يهمه هو مصالحه ، وهو يمثل تأثير الأكل من الشجرة.

 
يرى (روبرت هير) عالم النفس بجامعة كولومبيا ؛ أن قسوة السايكوباثيين ، وانعدام مشاعرهم ، سببه خلل في الغدة الصنوبرية (راجع موضوع : عين حورس ، العين الثالثة) ، وفي الدوائر المرتبطة بالغدة ، فحسب التجارب : لا يظهر السيكوباثيين أي تعاطف مع الآخرين ، فلأنهم لا يشعرون : لا يضعون أنفسهم مكان الآخرين ، ولا يتعاطفون معهم ، ولا يرحمون أحاسيس الخوف والقلق لديهم.

فقابيل حتى عندما ندم بعد قتل أخاه "قال يا ويلتا ، أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب ، فأواري سوأة أخي ، فأصبح من النادمين" فهو لم يندم على قتل إخيه ، ولم ينظر إليه كخطأ ، بل هو نادم لأنه عجز على أن يدفن أخيه مثل الغراب ، فندمه لأن الغراب كان أفضل منه في هذا الأمر ، فالشخصية السايكوباثية يهمها التفوق ، وأن تبقى بالمقدمة في عالمها المقلوب ، بغض النظر عن كل شيء آخر.



لاحظ كيف أن الأخوين نقيضين ، حيث قابيل يمثل الشخصية السيكوباثية بنسبة تصل إلى ١٠٠٪ ، وعلى الجانب الآخر هابيل يمثل الشخصية اللاسيكوباثية ، وهي شخصية قد يحالفك الحظ بلقاء أحد ما يتمتع بها في أيامنا هذه ، عندما ترى شخصا طيبا أكثر من المعتاد ، معطاء بلا حدود ، صدوق إلى درجة غريبة ، محب للآخرين بلا إستثناءات ، أبيض القلب ، وما بقلبه على لسانه ، قد تراه ساذجا ، أو شخص (من أهل الله) كما يقال ، أو (على باب اللہ) ، وذلك فقط لأننا سايكوباثيين بنسبة ما .
 

 
عموما ما يهمنا هو أن الجانب المظلم قتل الجانب المضيء ، فينا ، وإختل التوازن ، فقد تناسل جانب بينما إنقرض الآخر ، وجاء الأبناء والأحفاد سايكوباثيون متحفزين للشر ، حتى جاء طوفان نوح ﷺ.

كما سبق ، تكاثر أبناء قابيل ، وكثر خبثهم ، وكان البشر على قاب قوس من أن ينتهوا مثل الجن ، ويستبدل اللہ خلقا غيرهم ، ولا يغدوا لهم ذكر . لكن الله أعطى بني آدم مكرمة إلهية : نوح ﷺ :




أحد لفائف قمران -راجع موضوع (أهل الكهف)- تذكر قصة عجيبة لميلاد نوح ، حيث كان أباه (لاميك) يرعى لأشهر بعيدا عن منزله ، لكنه عاد ذات مرة ليجد إمرأته (بتينبش) حاملا ، فثار وغضب ، لكنها أقسمت له أن لم يمسسها بشر ، وطلبت منه سؤال أبيه (بتوزاليم) عن حملها ، فذهب إليه وسأله ، فأجابه بأنها صادقة ، وأن يجب عليه سؤال جده (إخنوخ) عن حملها ، فذهب الزوج (لاميك) إلى جده ، وعندما سأله ، أجاب : أن الملائكة أحضروا تلك البذرة ووضعوها في (بتينبش) وأن لتلك البذرة سيكون شأن ، وأنه سيكون أبي البشر الجديد ، وأن الشرور ستزول كلها.  ثم أمهل اللہ البشر ٩٥٠ عاما حتى دعا سيدنا نوح : { أني مغلوب فانتصر} . فغرق بنو قابيل بالطوفان ، وابتدأ البشر عصرا ذهبيا بقيادة بنو نوح ، بجينات جديدة غير سايكوباثية.


 مع ذلك : عندما أرسل الله الطوفان إستثنى قلة من بني قابيل { فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون * ثم أغرقنا بعد الباقين} ، {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (وَأَهْلَكَ) إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ (وَمَنْ آمَنَ) وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} فهناك من كان معه في الفلك من غير ذريته ، كانوا مؤمنين ، لكنهم حاملين لجينات قابيل السايكوباثية.

(الجين) (Genum) هي وحدات الوراثة . وبها معلومات محددة . تحدد سلوكيات وصفات الأفراد ، سيكوباثيين وغير سيكوباثيين.

وتنتقل هذه الموروثات من جيل لآخر، خلال عملية التكاثر، بحيث يكتسب كل فرد جديد نصف مورثاته من أحد والديه والنصف الآخر من الوالد الآخر ، وكلنا محصلة صفات أسلافنا ، وأبناءنا كذلك.

وقد أشارت آيات كثيرة إلى هذا الإصطفاء الجيني للأنبياء ، منها؛ {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيْمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِيْنَ ^ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} لاحظ أن الآية ذكرت سيدانا آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام بلا (آل) بمعنى : أنهما لم يتحدرا من عائلات ، فالإصطفاء الجيني جاء إليهما مباشرة من اللہ ، لكن آل إبراهيم وآل عمران عليهم الصلاة والسلام ، فكان محصلة إصطفاء طبيعي وتدريجي عبر التكاثر البشري.

وفي هذا السياق يمكننا أن نفهم الحديث الشريف ؛
((إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشاً مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ) وبالتالي يمكننا أن نفهم مكانة آل بيت الرسول ﷺ الكرام.


في نهاية بحثي أود أن أحدد نقاط : كيف تتعامل مع السايكوباثين:

١-ضع في ذهنك أنك لست سوى عقبة في طريقهم ، فحاول التنحي ، واعلم أن أي صدام معهم لن ينتهي في صالحك.

٢-لا تتكلم معهم مباشرة ، كن لا مبالي ، دعهم يشعرون بأنك غير مهم.

٣-لا تتعامل معهم ، ولا تعطهم شيئا ، ولا تريهم أنك تملك شيئا يريدونه.

٤-تكلم معهم بسرعة وإيجاز ، وبنبرة منخفضة ، لا تخبرهم أنهم على خطأ ، وافقهم على كل ما يقولون ، حاول تغيير الموضوع بإستمرار ، لا تدع الصمت يتعمق بينكم ، أخطر ما ستكون عندما يفكرون بصمت ، تكلم عن أشياء مثل الطقس ، أفلام ، رياضة ، ولا تأت على ذكر أحبائك أو ممتلكاتك.

٥-تذكر أنهم إن عرفوا نقطة ضعفك فسيستغلونها ضدك ، لا تبد ضعفا ولا قوة ، تظاهر بالموت
Play dead ، هذه الإستراتيجية تتبعها الحيوانات عندما تشعر بالخطر ، لن تجد إستراتيجية أكثر نفعا منها عندما تتعامل مع سايكوباثي.

٦-لا تبد لهم الأشياء التي تحبها : سيعملون على حرمانك منها ، أو خططا في بالك : سيعملون على تخريبها.

٧-فاجئهم ، إسبقهم بخطوة ، دون أن تبدو خطوة ذات تهديد لهم.

٨-تظاهر بأنك غير ذي نفع على الإطلاق ، هذا الشيء الوحيد الذي يجعل السايكوباثي يذهب عنك إلى غيرك.

٩-ضللهم ، لا تدلهم على طريق أو طريقة تؤدي إلى أي مكان أو شيء.

١٠-لا تعتقد أنهم سيشعرون بالأسى أو بالحزن لأجلك أو لأجل أي أحد أو شيء ، تذكر أنهم بلا مشاعر ، سوى غريزة الوحوش.

هناك تعليق واحد: