الثلاثاء، 9 سبتمبر 2014

علم من الكتاب



{ يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين} قالها سيدنا سليمان ﷺ لحاشيته وجلسائه 
فنهض من بين الجلوس  و{قال عفريت من الجن} وهو مارد ، والمارد من أقوى الجن ، { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك} 

وقال السدي وغيره: كان سليمان يجلس للناس للقضاء والحكومات من أول النهار إلى أن تزول الشمس ، وهكذا لدينا هنا (زمن) وهي الفترة الزمنية اللازمة لتنفيذ العمل.

ثم أضاف المارد : { وإني عليه لقوي أمين} ، وأصبح لدينا (القوة) أيضا .

وقانون نيوتن الأول يقضي بأن (الجسم الساكن يبقى ساكنا ما لم تؤثر عليه قوة تحركه) ، وتعرف (القوة) في الفيزياء: أنها (مؤثر يؤثر على الأجسام فيسبب تغييرا في حالة الجسم أو اتجاهه أو موضعه أو حركته) . والجسم هنا عرش سيدتنا بلقيس.

فتأثير المارد على العرش كان شغلا بلغة الفيزياء ، والشغل : قوة تؤثر على جسم فتسبب ازاحته . وكان لدى المارد طاقة ، بسبب أن الطاقة : المقدرة على القيام بشغل ما .

القصد مما سبق كله أن المارد والجن عموما يتحركون ضمن قوانين الفيزياء ، على ما نظنه من القوة الخارقة التي يتمتعون بها



في عودة لقصة عرش سيدتنا بلقيس ، قاطع العفريت صوت من الجانب الآخر: { قال الذي عنده علم من الكتاب} ، وتلك صفته وكل ما نعلم عنه.

فمن هو ؟

في اللغة العربية إذا حددنا جنس الأول يكون الثاني مختلف عنه إذا كان مجهولا ، وهنا الأول كان جنيا فالثاني يكون غير جني .

هناك رأي بأنه مَلَك ، ربما سيدنا جبريل حسب الشيخ عبد القادر شيبة الحمد ، لكن الآيات تحدد أن الطرف الأول المنافس على نقل العرش بأنه (عفريت من الجن) وهذا سبب قدرته وهي طبيعته التي وهبه الله إياها ، لكن سبب قدرة الطرف الثاني أن (عنده علم من الكتاب) ، وقوة الملائكة ليس بسبب أن عندهم علم من الكتاب ، بل بسبب قدرات طبيعية وهبها الله لهم ، وهكذا لا يبقى أن يكون الذي (عنده علم من الكتاب) سوى إنسان .

وهو المخلوق الذي علمه الله الأسماء من قبل ، فتفوق على الملائكة ، وها هو هنا يتفوق على عفاريت الجن ، بعلم كذلك.


 
ما يهمنا هو قول الذي عنده علم من الكتاب : { أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} ، وقبل أن يرتد الطرف تعني بلا زمن ، فإرتداد الطرف هي سرعة سقوط الضوء على العين ، بمعنى أوضح (سرعة الضوء) ، وقوله (قبل) يعني أسرع من سرعة الضوء ، وذلك مستحيلا حسب قوانين الفيزياء ، لكنه فعل ، ووجد سيدنا سليمان ﷺ العرش عنده

لدينا إستنتاجين من الآيات الكريمة :

١-الجن خاضعين لقوانين الفيزياء المعروفة

٢-(الذي عنده علم من الكتاب) غير خاضع لقوانين الفيزياء

إن قصة آصف بن برخيا لم يرد فيها حديث مرفوع إلى النبي ﷺ ، وإنما ورد فيها كلاماً لابن عباس رضي الله عنهما فيما رواه النسائي في السنن الكبرى أنه قال: كان آصف كاتب سليمان بن داود ﷺ ، وكان يعلم الاسم الأعظم، (من يملك إسم الله الأعظم يستطيع فعل كل شيء ، والإسم الأعظم هو الإسم المائة المجهول) ، وكان آصف يكتب كل شيء يأمر به سليمان ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطر من سحر، وكذب، وكفر، فقالوا: هذا الذي كان يعمل سليمان ، فإتهمه جهال الناس وسفهاؤهم بالسحر ، ووقف علماؤهم فلم يزل جهالهم يسبونه حتى أنزل الله عز وجل: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا) 
وقصة آصف كلها غير موثوقة وهي من الإسرائيليات التي تحتمل الخطأ والصواب ، ولا ندري إن كان هو آصف بن برخيا أو غيره.



لكي نفهم صعوبة المهمة التي طلبها سيدنا سليمان ، وهي نقل عرش سيدتنا بلقيس ، يجب أن نوضح طبيعة العرش ، والذي بالحقيقة هو معبد للشمس . عمره (3000) عام ، يتكون من ستة أعمدة، أحدها مكسور، هناك "قدس الأقداس"، وتجتمع فيه عذراوات الشمس ، وهن راهبات وهبن أنفسهن للشمس ، وكانت سيدتنا بلقيس إحداهن .

الآن تخيل ، المهمة التي طلبها سيدنا سليمان ، وتخيل حيرة سيدتنا بلقيس عندما رأت المعبد كله منقولاً من مأرب اليمن إلى فلسطين ، والآن تأمل في العلم الذي يمتلكه الشخص الذي نقل هذا البناء الضخم ، حتى قبل أن تطرف العين .



يقول الباحث العراقي (عالم سبيط النيلي) في كتابه " ملحمة جلجامش والنص القرآني":


كي نفهم عبارة :"أنا آتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك": يجب أن نعلم أن العين تستقبل الشعاع المنعكس عن الأشياء .

والشعاع مستمر بالانعكاس عن الأشياء المجاورة في مجلس سليمان ﷺ وعينه تستقبل هذا الشعاع ويرى الأشياء.


 فمعادلة قول (الذي عنده علم من الكتاب) : إذا كان الشعاع سيسقط في اللحظة (ن) ، وتريد ان ترى الشيء الذي عينك مفتوحة بمواجهته في اللحظة (ن + نَ) فاني اجلب لك عرش الملكة في اللحظة:
(ن + نَ) - نَ


ولنفترض أن متوسط مكان العرش عن سيدنا سليمان هو (3) أمتار .


وبعد فلسطين عن اليمن هو بحدود (3000) كم (لتسهيل العملية الحسابية ، لكن المسافة (2200))، فهو سيفكك حجارة العرش وينقلها من اليمن ويركبها ، قبل وصول الشعاع (الضوء) إلى عين سليمان .


سرعة الضوء = 300.000 كم/ثانية , إذاً لقد نقل العرش بسرعة تفوق سرعة الضوء بمائة مليون مرة .


حيث يقطع الضوء (3) أمتار في واحد من مائة مليون جزء من الثانية ، إذن السرعة المطلوبة لقطع مسافة (3000) كلم في هذا الزمن تساوي ناتج قسمة المسافة على هذه السرعة : (3000.000) بتقسيم عشرة مرفوعة لسالب ثمانية . 


إذن فهو نقله بسرعة تفوق سرعة الضوء بمائة مليون مرّه ، وذلك إذا كان بالتساوي ، ولكنه قال (قبل) وإذاً فهو نقله بأسرع من هذا التقدير بكثير.



نأتي لسرعة نقل الجاّن للعرش :


لنفرض أن قيام سليمان ليس من مجلسه ، وإنما من كرسيه ، لنرفع من مستوى مقدرة الجان حتى يمكن مقارنتها بمقدرة (الذي عنده علم من الكتاب) .


إذا قيامه من كرسيه سيستغرق ثانيتين ، والجاّن سينقل العرش قبل هذا الزمن:"قبل أن تقوم من مقامك". والضوء يسير في ثانيتين مسافة هي  (6 × 810) كم.


ومسافة النقل هي  (3000) كم ، إذن فهو ينقله كما يلي: = (3´10 3)


وهي أبطأ من سرعة الضوء بمأتي ألف مرة أو بسرعة  (1500) كم/ثانية.


والفارق بين السرعتين يساوي:

(15 × 1210)


أي خمسة عشر ألف مليار مرّة.


ان هذا الفارق المهول هو بين قدرة مارد الجان ، وقدرة (الذي عنده علم من الكتاب).


من المؤكد ان عفريت الجان قد طأطأ رأسه خجلاً بعد ان رأى العرش ينتصف مجلس سيدنا سليمان.



إذن فطريقة (الذي عنده علم من الكتاب) في النقل مختلفة عن طريقة الجان، فهي بسرع غير مادية لا علاقة لها بقوانين الحركة.

أما طريقة الجان فهي طريقة مادية، تخضع لقوانين الفيزياء ، فلأن الكتلة تزداد مع السرعة ، وتزداد المقاومة للطاقة الحركية معها ، فإن نقل العرش بهذه السرعة العالية  (1500 ) كم/ثانية يجعله عرضة للتحطم ، وهذا هو السبب الذي جعله يؤكد : "واني عليه لقويُّ أمين" ،  بمعنى أنه سيكون حذراً بالتعامل معه.



أما (الذي عنده علم) فلم يحتجْ لذلك ، لأن اسلوبه في النقل مختلف ، فهو ينقله أسرع من الضوء بمئة مليون مرّة .

أن (الذي عنده علم) لم ينتظر من سليمان ﷺ إجابة عن العرض الذي قدمه. فالأسرع في النقل هو الفائز ، هذا يعني ان العفريت هو الآخر لم ينتظر إجابة ، فقد بدأ فوراً بالنقل ، وحينما قال العبارة وبدأ العمل ، لم يكن قد قطع عشر مسافة الذهاب حتى كان (الذي عنده علم) قد جلب العرش فعلاً ، وحينما وصل اليمن بعد ثلثي الثانية لم يجد العرش فقفل راجعاً. وما أن انتهى (الذي عنده علم) من عبارته حتى : (رآه مستقراً عنده) ، فقد تم النقل خلال نفس وقت العبارة ، ومن المؤكد ان (الذي عنده علم) لم يتحرك من موضعه ، ولم ير سليمان العرش خلال هبوطه ، ولم يسمع صوت ارتطامه بالأرض بل (مستقراً عنده) .


القرآن الكريم يشير ل (الذي عنده علم من الكتاب) على انه صاحب معرفة ، ليست آتية من تجربة وبرهان ، بل من كتاب:
"قال الذي عنده علمٌ من الكتاب".

إن هذا الشخص عنده (علم من الكتاب)، وهو جزء منه ، لا علمَ الكتاب كله.

ما هو هذا الكتاب العجيب ، وكيف حصل عليه هذا الشخص ، وأين هو اليوم ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق