الأربعاء، 22 أبريل 2015

الملائكة من هم

{جاعل الملائكة رسلاً}

 {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ }



من جنس الملائكة يختار الله رسل سماويين ، كما يختار من البشر رسلاً أرضيين ، وهؤلاء الرسل السماويين لهم مقامات (وما منا إلا وله مقام معلوم) وهم أنواع (أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) ، ومنهم معرفين بالإسم (جبريل وميكال ومالك ...) ، ومنهم حسب وظيفتهم ، مثل (حملة العرش) ، و(الكاتبين) ، و(الحفظة) ، وغيرهم.

فمن هم هؤلاء الرسل السماويين الكرام؟ بحثي هذا محاولة متواضعة للإجابة على هذا السؤال



أولاً معنى الإسم : في المعاجم (الملاك) أصله: أَلكَ، والمألكة، والمألكُ: الرسالة. ومنه اشتق الملائك.
وقيل: اشتق من (لَأك): بلاغ ، و(ألكني) إلى فلان؛ أي: بلغه عني، والملأك: يبلغ عن الله تعالى.

أما حسب كتاب (العلم الأعجمي في القرآن) لرؤوف أبو سعدة ؛ فـالملاك أصلها آرامي : "ملآخ" و" ملاخ" ومنها إنتقلت إلى العربية وللعبرية كما في سفر حجاي : "ويمر حجاي ملآخ يهوا بملأخوت يهوا" ، ومعناها: وقال حجاي رسول يهوه برسالة يهوه" 



ثانيا الخلق: 


لم يذكر القرآن شيء عن مادة خلق الملائكة ، لكن أورد مسلم مرفوعاً عن أمّنا عائشة عن الرسول ﷺ: (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم)

وهو الحديث الوحيد الموثوق بخصوص هذا الأمر العقائدي ، أما الباقي فهي أحاديث آحاد ، ولا يؤخذ بالآحاد في الأمور العقائدية.


عموماً : 
يقول سبحانه : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً ، فَفَتَقْنَاهُمَا ، وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ، أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) 

و(الرتق) هو الشيء المتصل المطبّق ، ثم كان (الفتق) الإنفصال والتشتت إلى مواد أولية للخلق  

وكما تخبرنا الآية كل مخلوق حي هو من (الماء) (غاز كوني في حالة سائلة يتكون من ذرتيّ هيدروجين وذرة أُكسجين) كمادة خلق أساسية ، ثم تختلف الأجناس بإختلاف المواد الثانوية ، مثل البشر من (طين) ، والجن من (النار) ، وهكذا

فإذاً : هناك مادة خلق ثانوية للملائكة ، وهي (النور) حسب الحديث المرفوع



ويوافقنا أهل الكتاب من حيث مادة خلق الملائكة لكنهم يخالفوننا بأن بعضهم يعصي الله ، ويسمون هؤلاء العصاة بـ(الملائكة الساقطين) ويصبحون شياطين ، ومنهم "لوسيفر" إبليس ، وكان له إثنا عشر جناحًا 

وهناك رواية عن ابن عباس " كَانَ اسْمُ إِبْلِيسَ عَزَازِيلَ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ ذَوِي الْأَرْبَعَةِ الْأَجْنِحَةِ، ثُمَّ أَبْلَسَ بَعْدُ " 

قال عنها الشنقيطي في (أضواء البيان) : وَمَا يَذْكُرُهُ الْمُفَسِّرُونَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ : مِنْ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَشْرَافِ الْمَلَائِكَةِ ، وَمِنْ خُزَّانِ الْجَنَّةِ ، وَأَنَّهُ كَانَ يُدَبِّرُ أَمْرَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، وَأَنَّهُ كَانَ اسْمُهُ عَزَازِيلُ كُلُّهُ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الَّتِي لَا مُعَوَّلَ عَلَيْهَا .

فالملائكة في الإسلام (لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون) ولذلك اختلف العلماء في جنس إبليس هل هو من الملائكة أم من الجن؟ لأن الملائكة واضح أنهم لا يعصون الله 



فانقسم العلماء إلى فريقين: 

الأول: أن إبليس من الملائكة ، بظاهر قوله : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ) ، 
والاستثناء متصل ، بمعنى (فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا الملاك إبليس) . 

أما آية : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) فـ(لا يعصون الله) هي تختص بملائكة النار فقط ، والملائكة قد يعصون (مثل إبليس) ، وإعتراضهم (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) دليل إرادتهم الحرة ، وحرية التفكير

ولو لم يكن إبليس من الملائكة لما أُمر بالسجود ، لأن الخطاب كان موجه للملائكة : (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) 

بل وزاد الشيخ محمد عبده في (المنار) بأنه : ليس هناك ثمة دليل يفرق بين الملائكة والجن تفريقاً جوهرياً، وإنما هو اختلاف أصناف عندما تختلف أوصاف كما ترشد إليه الآيات، فالظاهر أن الجن صنف من الملائكة .

القائلين بأن إبليس من الملائكة : ابن عباس (في رواية) , والقرطبي ، وابن مسعود, وابن جريج, وسعيد بن المسيب, وقتادة ، وأبي الحسن الأشعري, وابن قدامة, والمالكية، والطبري ، والبغوي ، وغيرهم)


 
2- الفريق الثاني: ويرى أن إبليس لم يكن من الملائكة وإنما من الجن، والاستثناء في الآيات إنما هو استثناء منقطع ، بمعنى (فسجد الملائكة كلهم) (أجمعون) فسجدوا جميعاً ، ومن لم يسجد لم يدخل من ضمنهم ، وبذلك ليس ملاكاً

والقائلون : ابن عباس (في رواية) ، والحسن البصري، والزمخشري, والعكبري, والكواشي ، والرازي ، والشنقيطي ، وغيره. 

ودليلهم أنه ( إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) ، وأنه يتوالد (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) ، بينما الملائكة لا تتوالد ، وليس لهم ذرية

وعلل الزمخشري: (إنما تناوله الأمر وهو للملائكة خاصة لأن إبليس كان في صحبتهم, وكان يعبد الله تعالى عبادتهم، فلما أمروا بالسجود لآدم والتواضع له كرامة له، كان الجِنِّي الذي معهم أجدر بأن يتواضع) 




أنواع  الملائكة :
١- الروح ، وهو سيدنا جبريل منفرداً بهذا اللقب
٢- الحفظة (معقبات)
٣-  حملة العرش
٤- ملك الموت ، إسرافيل (نافخ الصور) ، ميكائيل ، مالك ، رضوان ، وهم ملائكة جليلين ذوي مهام رئيسية 
٥- الزبانية (١٩) 
٦- الكاتبين (رقيب عتيد)



أهم السمات :

أولاً : التفكير والإستنتاج وحرية التفكير : (ما كان لي من علم بالملإ الْأَعْلَى إذ يختصمون) ، وكذلك قولهم : (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)

ثانياً : الأجنحة والقدرة على الطيران:
للملائكة أجنحة ، فمنهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، أو أربعة، ومنهم من له أكثر من ذلك (جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء) 

وأورد البخاري عن عبد الله بن مسعود أنه قال: " رأى محمد ﷺ جبريل له ستمائة جناح " 

ثالثاً : المقامات المختلفة ؛ (وما منَّا إلاَّ له مقامٌ معلوم) 

رابعاً :  قدرتهم على التشكل:
أعطى الله الملائكة القدرة على أن يتشكلوا بغير أشكالهم، فقد أرسل الله جبريل إلى مريم في صورة بشر: (فأرسلنا إليها روحنا فتمثَّل لها بشراً سوياً) 

وسيدنا إبراهيم جاءَته الملائكة في صورة بشر ، ولم يتعرف عليهم حتى كشفوا له عن حقيقة أمرهم، (فلمَّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفةً قالوا لا تخف إنَّا أرسلنا إلى قوم لوطٍ)

ثم جاؤوا إلى سيدنا لوط في صورة شباب حسان الوجوه

خامساً : يموتون (ونفخ في الصور فصعق من (في السموات) ومن (في الأرض) (إلا من شاء الله) ونفخ فيه أخرى إذا هم قيام ينظرون)

(كل شيء هالك إلا وجهه)



في النهاية علينا أن نتذكر : (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرَّحمن إناثاً أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون) و(وما يعلم جنود ربك إلاَّ هو) 

هناك تعليقان (2):

  1. بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,,

    كيف حالك أخي عبدالعزيز؟
    انا متابعك ومتابع بحوثاتك ومواضيعك الرائعة .. جزاك الله خير
    وحبيت أوضح كم نقطة في هذا البحث وأرجو أن يصلك الصواب

    أولا: موضوع هل يؤخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة؟
    ياليت تقرا هذه الفتوى للشيخ ابن عثيمين في هذا الإشكال
    http://islamqa.info/ar/130918

    ثانيًا: محمد عبده ومعلمه جمال الدين الأفغاني وكذلك تلاميذه منهم طه حسين وسعد زغول ماسونيين من درجات مرتفعة تصل إلى الدرجة 33 وقد رأس أحد من محمد عبده أو جمال الدين محفلًا كبيرًا في الهند -على ما أعتقد- وقد تكلم فيهما الكثير من المشايخ الفضلاء من أمثال الشيخ سفر الحوالي وكذلك موقع اسلام ويب مركز الفتوى وبإمكانك قراءة كتاب حكومة العالم الخفية المجلد الثاني أو الرابع ففيه الكثير من كبار الشخصيات الماسونية من أمثال محمد عبده ومعلمه وإن لم يتسير لك شراء الكتاب يمكنك قراءة هذا المقال
    https://dherarbelhoul.wordpress.com/tag/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%8C-%D8%AC%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%BA%D8%A7%D9%86/

    ثالثًا: في موضوع خلق الملائكة أنصحك بقراءة الباية والنهاية لابن كثير المجلد الأول الكتاب الأول في بدايته خلق الملائكة وصفاتهم وهل ابليس منهم أو لا ففيه ما يذهب الإشكالات هذه وفيه الكثير من أقوال مفسرين في هذا الموضوع.

    أخيرًا: مجرد خطأ إملائي في الآية الكريمة "نكرهم" (فلمَّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفةً قالوا لا تخف إنَّا أرسلنا إلى قوم لوطٍ)

    والله أعلم بالصواب

    وجزاك الله خير ووفقك لما يحب ويرضى
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك على التعليق الرائع ، لك كل الشكر والمحبة والتقدير

      حذف