يتساءل البعض : هل مات سيدنا يحيى أم ما يزال حياً ، مثل سيدنا عيسى ، عليهما وعلى جميع أنبياء الله أفضل الصلاة وأتم التسليم
إذا أردنا أن نحاول الإجابة على ذلك ، فعلينا أن نعود إلى بداية القصة :
عندما دعا سيدنا زكريا: "قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ، وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ، وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ، يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا"
فسيدنا زكريا خشي علي من يوالونه ويتبعونه من بعده ، فطلب أن يرزقه الله بوليّ يرثه ويرث آل يعقوب (علوم وليس متاع الدنيا) ، ويكمل قيادة أتباع أبيه ، فأجابته الملائكة:
"يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا"
وهكذا إسم (يحيى) كان إسم غريب ، لهذا الغلام المميز جداً ، وإسمه (يحيى) هو أول دليل يستدل به القائلون على عدم موته ، فإسمه (يحيى) يدل على الحياة ، وطول العمر ، فكيف يستقيم هذا مع موته شاباً ، بالحقيقة إن الإسم مهم جداً ، لأن الله إختصه به (لم نجعل له من قبل سميّا) ، لكن الإسم آرامي وليس عربي ، وأصله (يهيا) أو (يهانا) أو (يوهنا) ، وقد لا يعني (يحيى) بمعنى الحياة ، وهناك تخبط في معناه الآرامي ، وحتى يفك لغز الإسم سيظل غامض
يورد الإمام الرازي في تفسيره آراء عدة لمحاولة تفسير هذا الإسم المميز : (أنه أحيا به عقر أمه) ، (أحيا قلبه بالإيمان والطاعة) ، (أنه إستشهد وهو حي عند ربه) لكنه يضعفها في النهاية : "هذه الوجوه ضعيفة ، لأن أسماء الألقاب لا يطلب فيها وجه الإشتقاق ، ولهذا قال أهل التحقيق : أسماء الألقاب قائمة مقام الإشارات ، وهي لا تفيد في المسمى صفة البتة".
ولكن الإمام الرازي له رأي آخر في (سميّا) ذاتها : (أن المراد بالسميّ النظير ، كما في قوله "هل تعلم له سميّا") وهكذا "لم نجعل له من قبل سميّا" لا تعني أنه لم يكن قبله إسم (يحيا) ، وإنما تعني : (لم نجعل له من قبل نظير وشبيه) بدليل الآية "رب السموات والأرض وما بينهما ، فاعبده واصطبر لعبادته ، هل تعلم له سميّا" فالآية لا تقصد الإسم وإنما الشبيه والمثيل والنظير ، حاشاه سبحانه ، وهكذا فسيدنا (يحيى) ليس له مثيل ، وهذا سبب "لم نجعل له من قبل سميّا" وليس الإسم نفسه ، لكن بالحقيقة الإسم (يحيى) (يوحنا) (يهيا) (يوهنا) (يهانا) لم تذكر في الكتب اليهودية قبله ولم توجد على القبور ، وما زالوا لا يتسمون به ، وهم لا يعترفون بفرع (آل عمران) بتاتاً
وكذلك يورد الإمام الرازي رأي آخر في (سميّا) : "أن كل الناس إنما يسميهم آباؤهم وأمهاتهم بعد دخولهم في الوجود ، وأما يحيى عليه السلام فإن الله تعالى هو الذي سماه قبل دخوله إلى الوجود ، فكان ذلك من خواصه ، فلم يكن له مثل وشبيه في هذه الخاصية"
وكذلك يورد الإمام سبب آخر لإنعدام المثيل لسيدنا يحيى : "أنه ولد بين شيخ فانٍ وعجوز عاقر"
عموماً ، فلندع (الإسم) ونناقش أمر آخر ، أكثر غموضاً ؛ حيث سيعطيه الله "حناناً من لدنا" وهذا الحنان (اللدنّي) مشابه لعلم سيدنا الخضر "وعلمناه من (لدنّا) علماً" وهذا (العلم اللدنّي) يكون من الله ، وغير قابل للتحصيل بالوسائل العادية ، وهذا (العلم اللدنّي) مكن الخضر من رؤية غيوب ثلاثة (غيب مكاني : القرصان الكامن لأصحاب السفينة) و(غيب مستقبلي : الصبي الذي سيشب عاقاً) و (غيب ماضي : الكنز المخبأ في الجدار) ، فلا تستهين بـ(الحنان اللدنّي) الذي وهبه الله لسيدنا يحي ، مع ذلك نحن كذلك نجهل مضمون وماهية هذا (الحنان اللدنّي).
و (الحنان) له معنيين ، الأول : (الحنين) وهو ألم للفراق ، الثاني : (الحنو) وهو أن يعطف شخص على آخر ، ومنه إشتق إسم الله (الحنّان) وهو بمعنى العطوف الرحيم ، الثالث : بمعنى (معظّم) ودليله ما رويَ عن (ورقة بن نوفل) على (بلال) وهو يُعذب ، فقال (ورقة) : "والذي نفسي بيده لئن قتلتموه لإتخذناه حناناً" بمعنى معظماً ، وقيل من هذا المعنى كان إسم الله (الحنّان) ، والله أعلم
عموماً : يورد الإمام الرازي عدة آراء في هذا (الحنان اللدنّي):
أولاً : أنه معجز ومميز من ناحية أنه أوتيه صغيراً فقط ، حيث (وآتيناه الحكم صبياً وحناناً من لدنّا) وهكذا آتاه الله (الحكم والحنان والزكاة) منذ الطفولة ، وهذا وجه الإعجاز
ثانياً : أن الله آتاه ما أعطى سيدنا محمد ﷺ (فبما رحمة من الله لنت لهم) ، وهذه الرحمة من الله نفس الحنان ، وبه يعطف على الناس -مهما فعلوا- ويرحمهم ويرفق بهم ، بدون إفراط وإخلال بالحق ، وهذا وجه الإعجاز
لدينا مسألة غامضة أخرى ، وهي دليل البعض على كونه حياً ، حيث يقول الله عنه بصيغة الغائب (هو):
"وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا"
فـ(ولد) أتت بصيغة الماضي ، أما (يموت) و(يبعث) فهي بصيغة المضارع الدال على المستقبل
ويقول عيسى ، بصيغة المتكلم (أنا):
"وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ ، وَيَوْمَ أَمُوتُ ، وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا"
فـ(ولدت) بالماضي ، و (أموت) و (أبعث) كذلك بصيغة المضارع الدال على المستقبل
يقول الرافضين لنظرية (كون يحيا حياً) أنه الله قال عن يحي ذلك ، لأنه شهيد ، والشهداء (أحياء عند ربهم) ، لكنهم ليسوا أحياء تماماً ، ولذلك الله تكلم عنه ، بينما تكلم عيسى عن نفسه ، لأنه حي بالفعل
عموماً يقوي نظرية (كون يحيا حياً) حديث المعراج :
السلام عليكم
ردحذفبعد ان اكملت القراءة وجدت استنتاج تقريبا هو الحاسم
ان النبي يحيى عليه السلام قد استشهد ولا سيم بعد وجود كل تلك الادلة التاريخية
وبما انه حي ولكنه قطيع الرأس فهو يعتبر شهيد كما في كتاب الله ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون)
وهذا رأيي