الاثنين، 17 نوفمبر 2014

نهاية إسرائيل هل تنطلق من غزة

(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ فِى الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا).



 

فهناك (إفسادين) لبني إسرائيل ، وسيعلون بهذين الإفسادين علوا كبيرا ، وسيصبح لهم شأن عظيم .

وهناك (وعدين) في مقابل (الإفسادين). 

في الوعد الأول (أولاهما) ، (بعثنا عليكم) بصيغة الفعل الماضي ، (عبادا لنا) ، والوعد الأول هو إجتياح البابليين للشام ، ولمملكة يهوذا تحديدا ، ونهب وتدمير القدس ، وإنهاء حكم آل داوود ﷺ ، وسبي الشعب اليهودي ، عام 586 ق. م.

في الوعد الثاني (وعد الآخرة) سيحدث (لاحظ صيغة المستقبل):

(فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا)

أولاً سيحدث ؛ (ليسوءوا وجوهكم) إلحاق العار (تسويد الوجوه بلهجتنا) وهو إظهارهم على حقيقتهم وفضح زيف ما يدعون من تحضر ورقي .

ثم (ليدخلوا المسجد) الأقصى الحالي ، (كما دخلوه أول مرة) عندما كان هيكل سيدنا سليمان .




إذا ؛ عندنا حقيقتين مهمتين :

الاولى ؛ هو المسجد ذاته الهيكل ، سيتحرر من دنسهم .

ثانياً ؛ هم ذاتهم الذين حرروه اول مرة سيدخلونه في الثانية ، بعد ألفي وخمسمائة عام .

فكيف هم ذاتهم ، وهل هم موجودون ، ماذا تخبرنا الآية ؟


لقب الملك البابلي (نبوخذ نصر الثاني) (بختنصر) بمعنى (بخت:حظ) (نصر: منصور أو سعيد) ، ففي عهده توحد الكلدان والبابليين ، واستعادت الإمبراطورية البابلية مجدها ، حيث حررها من الآشوريين ، وأسقط حكم نينوى ، وانتصر على الفراعنة والآشوريين في كركميش ، واستولى على الشام وفينيقية ، ودمر مملكة يهوذا , وبنى الحدائق المعلقة ، وجعل بابل أعظم ممالك الشرق .





ووصل بجيوشه إلى حدود مصر ، بالتحديد في ارض غزة الحالية ، حيث جعلها قاعدة لجيشه ، مع أنه ُهزم بالحرب المصرية البابلية التي انتهت بأنسحاب جيشه من ارض المعركة ، إلا أن غزة ظلت سداً منيعاً في وجه المصريين ، وقاعدة إنطلاق في كل حروبه ضد المصريين ، والتي كان المفترض أن تمتد إلى كل أفريقيا ، فغزة تقع بين القارتين الآسيوية والإفريقية ، فهي بمرافئها البحرية المتوسطية تقدم منفذ بحري هام للبابليين ، وهي تتربع على تلة ترتفع 14 متر عن سطح البحر ، والمعادن الطينية في تربتها تمتص المواد الكيميائية العضوية وغير العضوية ، مما يجعل كل مياهها الجوفية صالحة للشرب ، وجوها جاف غير شديد الحرارة ولا بارد شتاء .





غزة من المدن العتيقة ، فهي عند الكنعانيين (هزاتي)، وعند الفراعنة (غزاتو)، أما الآشوريون فهي (عزاتي) و (فازا) عند اليونان ، وعند العبرانيين (عزة)، والصليبين (غادرز).

وإسمها يوضح سبب قرار نبوخذ نصر جعلها قاعده لجيشه ، فإسمها يعني المنعة والقوة ، لكن ياقوت الحموي يرى أن إسمها يعني (المميزة) أو (المختصة) بصفات معينة. كما يقول في معجمه: " غَزَّ فلان بفلان ، واغتز به إذا اختصه من بين أصحابه".





كانت المدينة تحت السيطرة المصرية عندما غزاها الكنعانيون في القرن 12 قبل الميلاد، وبدت غزة منذاك كمدينة ذات بأس ، فهي التي قال عنها بنو إسرائيل : { إن فيها قوما جبارين... } ، حتى عندما احتلوا فلسطين وقامت مملكة يهودا والسامرة ، بقيت غزة شوكة في خاصرتها تمنعها من الامتداد جنوباً.

عموما تاريخ غزة طويل ، لكن ما يهمنا هو ما حدث بعد (وعد أولاهما) أو التخريب الأول :

فبعد 50 سنة من السبي البابلي ، سمح الملك الفارسي قورش لليهود بالعودة إلى القدس وإعادة بناء الهيكل . بقيادة عزرا (وقالت اليهود عزير ابن الله) ، ثم هاجمهم الإسكندر الأكبر، بعد مئتي عام ، وحاصر غزة ثلاثة أشهر ، ثم حكم البطالمة من بعده المدينة، حيث قام اليهود بثورات عدة عليهم ، حتى نجحوا أخيراً بتأسيس مملكة يهودية ، ثم وبعد 90 عام هاجمهم الرومان ، وضُمت غزة إلى الجمهورية الرومانية.





شهدت المدينة ثورات عدة ضد الرومان ، حتى ضاق الإمبراطور "هادريان" باليهود ، ودمر القدس والهيكل للمرة الثانية ، وأخرج اليهود ومنعهم من دخولها.

وهنا لم يجد اليهود ملجأً إلا بلاد العرب الذين رحبوا بهم ، وسمحوا لهم ببناء المدن والقلاع ، بل وجاوروهم في مدنهم ، مثل مدينة يثرب .

فالعرب يعرفون اليهود وفلسطين ، وارتبطوا بغزة ارتباطاً وثيقاً ، فهي مركزاً مهماً لعدد من الطرق التجارية ، وكانت تمثل الهدف لإحدى الرحلتين الشهيرتين (الشتاء والصيف) حتى أن في إحدى رحلات الصيف مات هاشم بن عبد مناف جد الرسول  ، ودفن في غزة في جامع السيد هاشم في حي "الدرج".





وظلت غزة عزيزة منيعة تؤدي واجبها الذي أُنشئت من أجله ، فعندما سقطت كل فلسطين في أيدي الصليبيين ، ولم يكن هناك أي أمل في إخراجهم ، لمع نجم غزة في معركة (لافوربي) ، حيث علق الغزاويون رؤوس الصليبيين على أبواب الأسواق وفي الميادين ، وبعثوا بعضها إلى القاهرة ليطوفوا بها بالشوارع ، وكانت نقطة إنطلاق تحرير فلسطين من أيدي الصليبيين.





كذلك عندما خرج المغول من الصين واجتاحوا الممالك كسكين في قطعة زبدة ، لم يتوقفوا إلا أمام غزة ، التي منعتهم من مصر ، التي أهدت العالم عين جالوت ، المعركة الأولى التي هُزم فيها المغول والتي أظهرتهم كبشر يمكن هزيمتهم ، يعدها المؤرخون بداية نهاية الإمبراطورية المغولية.





وكان لغزة دورها في المعركة ، وفي في كل محاولة تلت من المغول والصليبيين لإحياء أمجادهم.

ثم إحتلها الإنجليز بعد الحرب العالمية الأولى ، ومنذ الأسر البابلي ، وبعد ألفي وخمسمائة سنة ، تقوم لبني إسرائيل دولة ، ويعلون علوهم الثاني ، ومع ذلك ، وبعد 27 سنة فقط يتنازلون عن غزة بالمجان ، لعجزهم عن الإحتفاظ بها .

فهل الغزاويين هم جند نبوخذ نصر ، حيث هو الذي أسكن جنده غزة ، وظلوا هناك بانتظار أوامره للهجوم على مصر ، تلك الأوامر التي لم تُصدر أبداً ، ثم تحولوا إلى قاعدة للدفاع عن مصر مع الوقت . فهل هم المقصودين بالآية :

(فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا)

فهل هم أصحاب وعد الآخرة ، الذين سيسيؤوا الوجوه ، ويدخلوا المسجد ، كما دخلوه قبل ألفي وخمسمائة عام.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق