الأحد، 15 يونيو 2014

القرين

أول من تحدث عن القرين هو المصريين القدماء , وأطلقوا عليه اسم (كا) ، وقدموا له القرابين ، وذلك لأنهم يعتقدون أنه يقوم بحراسة قبر قرينه البشري بعد الموت , ويتسبب بإيذاء من يريد سرقة وتدنيس مقبرته.




غيرهم من الشعوب رأوا فيه روحا خبيثة شريرة ، مثلا إعتقد البابليون أنها تتسلط على النساء فقط وتمنعهن من الإنجاب. 

القرين في الإسلام جني طفيلي لا يستطيع العيش وحده ، فهو يحتاج لإنسان يأكل ويعيش معه ، ويقتات على طاقته ، ومع أنه يستهدف هذا الإنسان بالوسوسة والإغراء والتشويش ، إلا أنه يرتبط بمضيفه الإنسي ويغضب إن آذاه أحد ، وإن مات في مكان يظهر على شكله وتقمص شخصيته.

ورد ذكره في عدة مواضع من القرآن الكريم : " وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ " ، " قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيد "

وقال الرسول ﷺ : "ما منكم من أحدٍ إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن .
قالوا : وإياك يا رسول الله ؟
 قال : وإياي ، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير ".

 نستنتج من الحديث المذكور أن القرين يمكن أن يغير من توجهاته ، وهذه النقطة وردت في القرآن: " وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ "  ، فكلما إقترب الإنسي من طريق الخير ، حاول قرينه صده حتى ينهزم ويتأثر بتوجهات قرينه الإنسي ، وبالعكس إن انخرط في طريق الشر ، تسلط عليه قرينه ، وقوي وجوده المظلم بداخل الإنسي.
هناك من المنظرين الحديثين من يرجع موضوع : القرين وصراع الخير والشر ، إلى علم النفس الحديث .

وبإيجاز؛ قسم سيجموند فرويد شخصية الإنسان الى ثلاثة أضداد :
١- الأنا العليا : هي الضمير أو القيم والتقاليد والاعراف والقوانين.
٢- الهو : هو الغريزة البدائية وحب الإنتقام والأنانية والحسد والبغض ، وما شابه
٣- الأنا : وهي الشخصية الناتجة عن صراع الأنا العليا والهو . والتي تحاول التوازن بينهما. 

ويوفق هؤلاء المنظرين (آناتهم الثلاث) مع (قرين) الإسلام وأنواع (النفس)، فيصفون( القرين) ب(الهو) ، و(قرين الخير) ب(الأنا العليا) ، و(النفس) ترادف (الأنا) . وتصبح صفات النفس مثل (اللوامة) أو (المطمئنة) أو (الأمارة بالسوء) مجرد نفس انحازت لرأي (الأنا العليا) أو (الهو) ، قرين الخير أو قرين الشر.

هناك باحثين آخرين ؛ يفترضون ؛ أن الانسان محاط بهالة مركبة من عنصرين : الأول ناري (قرين شر)، والثاني نوراني (قرين خير) ، وأن الله أحاط الإنسان بهالة كهرومغناطيسية لها تردد معين، لكن هذا التردد يتغير عند الوقوع في الإثم ، أو القيام بعمل صالح. 

لذا نجد في قوله ﷻ ؛ "بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" فالخطيئة أحاطت بهم مثل هالات تلازمهم حتى تكبهم في النار.

لدينا بالجانب الآخر : كلما إزداد عمل الانسان الصالح، ازدادت هالته النورانية التي تحيط بوجهه، فيقال أن لهذا الانسان نور في وجهه، وفي الدعاء المرفوع عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : " اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي لِسَانِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا , اللَّهُمَّ وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا وَمِنْ تَحْتِي نُورًا وَاجْعَلْ أَمَامِي نُورًا وَمِنْ خَلْفِي نُورًا , اللَّهُمَّ وَأَعْظِمْ لِي نُورًا " . 

وهذا التغير في التردد ينعكس على سلوكيات الشخص ، ووخصوصاً إن كان إلى الأسوأ ، فيشعر شخص بأعراض مختلفة غير طبيعية ، فيستنتج الآخرون أنه مصاب بمس.

وزعم هؤلاء : " إن طبائع الكائنات لها ترددات كهرومغناطيسية تتقارب مع ترددات الطيف للأشعة تحت الحمراء ". فلذلك تتجاذب هذه الترددات وتتنافر حسب الكائنات التي تحمل المواصفات نفسها : "الطيبون للطيبات والخبيثون للخبيثات"، وإذا هناك تردد معين يجتذب ذي نفس التردد ، وفي حالة الجن ، فإن الجني يخترق هذا الشخص ويصبح مقروناً به ، أو الشخص ممسوساً ، ملبوساً .

ويشير هؤلاء الى أنه عندما يغضب الانسان أو يضحك بقوة أو يخاف فجأة : ترتفع درجة حرارته ، وتزيد ضربات قلبه فتؤثر في ترددات الهالة المحيطة به ، وتصبح ترددات هالته مشابهة لترددات الجن ، وهي ترددات الاشعة تحت الحمراء، وهنا يتمكن الجني من التداخل مع هالة الانسان واختراقها ودخول جسم الانسان
الوسواس القهري 
أو الOCD
أو ال Obessive Compulsive Disorder
يعتبرها علم النفس إعاقة تصيب المريض : بهواجس (خارج وعيه) تجبره على الإتيان بأفعال أو قول أشياء رغماً عنه.

هذه الأفكار تأتي خلافاً لأرادة المريض ، الذي يدرك أنه مكره عليها . وحسب الدليل الأمريكي للطب النفسي (DSM-IV-R) تنحصر تلك الأفكار في أربعة أنماط:
١- filth : الكلمات الفاحشة : للآخرين أو لرموز دينية يقدسها المريض.
٢- lust : الأفعال الفاحشة : للآخرين أو لنفسه.
٣- harm : السوء : لنفسه أو للآخرين.
٤- blasphemy : تجديف على الرموز الدينيه.

لاحظ :
 "إنما يأمركم (بالسوء) و(الفحشاء) و(أن تقولوا على اللہ ما لا تعلمون)"

فكما تقول الآية المباركة : الأفكار التي يوسوس بها القرين للإنسان : سوء، فحشاء ، والقول على الله بالجهل وهو التجديف . 

كما أن العديد من المجرمين يقسمون أن أصواتاً أمرتهم بارتكاب جرائمهم ، (إقرأ عن جرائم تمت بإيعاز من كائنات غيبية).

 فكيف يوسوس القرين ، وكيف يجبرنا على فعل ما لا نرغب بفعله ،  وكيف يقنعنا بأفكاره ؟

 عندما يوسوس القرين للإنسان : يقوم بمطابقة صوت الإنسان ، من حيث اللهجة، النبرة ، وحتى الأسلوب . فيسمع الإنسان صوت في عقلة مطابق لصوته ، فيعتقد أن نفسه تحدثه : ب (أن يؤذي نفسه أو غيره) ، (أفكار ماجنة) ، والتجديف على الله (كيف يسمح الله بهذا ، ربما هو غير موجود) ، أو (ألفاظ غير لائقة) ويخدع القرين الإنسان بجعله يعتقد أن هذه الأفكار تصدر منه.

فتأثير القرين أشبه بمرض نفسي. وقد ورد تأثير وسوسة القرين للإنسان في القرآن الكريم : ﷽ 
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) 
لاحظ لم تحدد السورة نوع هذا الكائن الغيبي ، فهو قد يكون قريناً عادياً ، وقد يكون شيطاناً مريداً ، (من أعمالكم سُلّط عليكم).

معرفة القرين ووساوسه ومؤامراته يحل الكثير من المعضلات ، مثل :

١- قراءة الفنجان والودع والرمل والكف ؛ القرين يعرف صاحبه حق المعرفة ، ويستمع بعض ما يكتب في الإمام المبين واللوح المحفوظ ، فيخبر بعض الحقائق الغيبية كي يشكك الإنسان بأن هناك من يعرف الغيب مع اللہ.
٢-الأشباح ؛ يتشبه القرين بصاحبه ، فيسكن الأماكن التي تردد عليها قبل موته ، ويتمسك بأشيائه ، خصوصا إن كان بينهما علاقة وثيقة.
٣-تحضير الأرواح ؛ معروف أن الجن أطول أعمارا من البشر ، والقرين يعرف صاحبه فيتمثل به ويتكلم بشؤونه في جلسات تحضير الأرواح.

هناك الكثير من الشرور التي يفعلها الجن لينتقموا من بني آدم ، ليخرجوهم من الجنة كما أُخرج قائدهم إبليس . 
والقصد من هذا البحث توضيح دور القرين في هذا الإتجاه.

هناك تعليق واحد: