يروي أبو العتاهية ؛ "زهدت وتنسّكت وأقبلت على الله ، فإمتنعت عن قول الشعر ، وكنت شاعر الخليفة العباسي (المهدي)"
"فأنذرني ، فأبيت ، فأُخذت من بيتي وأُلقي بي في السجن ، فنظرت حولي إلى المساجين والمنسيين هناك ، ومنهم من يبكي ، واليائس الصامت ، ومن يندب حظه علناً ، وبينهم رجل نظيف وقور هادئ ، فجلست بجانبه ، أفكر فيما أصابني ، فقال الرجل فجأة :
تعوّدت مسّ الضر حتى ألفته
وأسلمني حسن العزاء إلى الصبرِ
وصيّرني يأسي من الناس واثقاً
بحسن صنيع الله من حيث لا أدري
"فأعجبني بيتيّ الشِعر ، فقلت له : هلا تتفضل -أعزّك الله- بإعادة هذين البيتين"
فقال : ويحك ، ما أسوأ أدبك ، جلست بجانبي ولم تسلّم بتسليم المسلم على المسلم ، ولا توجعت لي توجع المبتلي للمبتلي ، ولا سألتني مسألة الوارد على المقيم ، حتى سمعت مني بيتين من الشعر ، فإستنشدتني إياهما.
"فإعتذرت منه ، وأخبرته مصابي"
فنظر إلي بإستنكار وقال : وفي أي شيء أنت ! ، إنما تركت قول الشعر وهو جاهك عندهم ، فحبسوك حتى تقوله ، ولابد أنك ستقوله لاحقاً ، فتطلق وتعود إلى بيتك ، أما أنا فيطالبونني بأن أدلهم على (عيسى بن زيد بن علي بن الحسين) ، فإن دللتهم عليه لقيت الله بدمه ، وخصمي رسول الله فيه ، وإن لم أدلهم قتلوني ، فكما ترى أنا أولى بالحيرة واليأس منك ، وأنت ترى صبري وإحتسابي.
"فخفضت رأسي خجلاً منه" ، فقال : لا أجمع عليك التوبيخ والمنع
"وأعادهما علي ، حتى قاطعه صراخ الجند ، بإسمي وإسمه ، فقمنا ، فجرونا جراً إلى الخليفة ، حتى وقفنا بين يديه ، فقال بلا أن ينظر إلينا : أين عيسى بن زيد؟
فأجابه الرجل : وما يدريني ، هو هارب ، وأنا محبوس ، فكيف يعرف محبوس بمكان الهارب؟
فقال : لتدلني عليه ، أو لأضربن عنقك.
فقال : إصنع ما بدا لك.
"فضربت عنقه ، فوجمت أنظر إليه وإلى رأسه المقطوع ودمائه"
فقال الخليفة لي : أتقول الشعر ، أم ألحقك به.
فبينما أنا واجم مذهول ، رددت بيتي الشِعر :
تعوّدت مسّ الضر حتى ألفته
وأسلمني حسن العزاء إلى الصبرِ
وصيّرني يأسي من الناس واثقاً
بحسن صنيع الله من حيث لا أدري
"فإستحسن الشِعر ، وقال : أطلقوه"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق