السبت، 15 نوفمبر 2014

البراق

يقول الله ﷻ : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)


وقال (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس)

و (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَىوَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىعِندَ سِدْرَةِ المُنتَهَى* عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَىإِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىمَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى*)

وهكذا كما تخبرنا الآيات ؛

أُسري بالرسول ﷺ من مكة إلى القدس بالجسد ، ولو كان بالمنام لما كذبته قريش ، ولما إرتد بعض المسلمون ، فالإنسان بالمنام يذهب إلى شتى الأماكن وذلك أمر طبيعي ، لكن حادثة الإسراء كانت منكرة جداً بالنسبة لمعاصريها ، وذلك لأنه أُسري به وهو مستيقظ ، وذلك يعني أنه سيحتاج إلى وسيلة مواصلات ، لأن الطريق إلى القدس بالوسائل المتاحة آنذاك سيكون طويلاً ، كما وثق لنا ذلك الكفار بقولهم: "نَحْنُ نضرب إليها أكباد الإبل الشهر والشهرين، ويذهب مُحَمَّد إليها في ليلة"




إذاً لقد ذهب الرسول ﷺ إلى القدس راكباً ، وراكباً دابة تسمى البُرَاق 

وهو مركوب الأنبياء ، وقد إستقله سيدنا أبراهيم ﷺ كما جاء في الـ(حديث المرفوع) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " كَانَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ يَزُورُ ابْنَهُ إِسْمَاعِيلَ عَلَى الْبُرَاقِ , وَهِيَ دَابَّةُ جِبْرِيلَ , تَضَعُ حَافِرَهَا حَيْثُ يَنْتَهِي طَرَفُهَا , وَهِيَ الدَّابَّةُ الَّتِي رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ " .

ومعنى (تضع حافرها حيث ينتهي طرفها) أن البُراق سريعة للغاية ، لا تكاد تتحرك حتى يتحرك المشهد ، كأنك تشاهد فيلم في وضع سريع جداً.



وقد روى مسلم : "ثم أُتِيت بدابة يقال لها البُراق، فوق الحمار ودون البغل، يقع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، ثم انطلقنا"

وقال عبد الله بن مسعود : أتى رسول الله بالبُراق - وهي الدابة التي كانت تحمل عليها الأنبياء قبله، تضع حافرها في موضع منتهى طرفها - فحُمل عليها ثم خرج به صاحبه يرى الآيات فيما بين السماء والأرض حتى انتهى إلى بيت المقدس".



وذكر ابن إسحاق عن الحسن البصري (مرسلاً) : "أن جبريل أيقظه ثم خرج به إلى باب المسجد الحرام فأركبه البُراق وهو دابة أبيض، بين البغل والحمار، وفي فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه، يضع حافره في منتهى طرفه، ثم حملني عليه ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته".

تميزت هذه الرواية (المرسلة) بوصف جناحين في فخذي البُراق ، لا يستخدمهما للطيران ، وإنما لتحفيز الرجلين ، فالبُراق في العادة نتخيله حصان بجناحين ، لكن بالحقيقة هو لا يستخدم جناحين للطيران ، وإنما يجري بسرعة شديدة حتى ينطلق ، مثل طائرات اليوم.

ثم أن أجنحة الحيوانات كلها تخرج من الظهر ، أما كون الجناح يخرج من الفخذ ، والفخذ (الرجلين) بالمؤخرة ، واليدين بالمقدمة (كعادة نظرة الإنسان للحيوان بأن العضوين في المقدمة هما يدين ، والرجلين صوب المؤخرة للحيوانات ذوات الأربع قوائم) فتصور الجناحين مثل جناحي سيارات الأمريكية بالخمسينات ، حيث يكون الجناحين فوق الإطارين الخلفيين.

وتسمية البُراق بالدابة لا يعني بالضرورة أن تكون حيوان ذا روح؛ لأن الدابة تطلق على كل ما يدب (يتحرك) ، ونحن اليوم ندعو بدعاء الركوب عندما نقود سياراتنا ، مع أن الدعاء في الأصل للدابة ، فأصبح الدعاء يشمل السيارة لأنها تتحرك بنا ، فأصبحت السيارة دابة اليوم. 

وأما تسميتها بالبُراق فربما بسبب شدة عكسها للضوء وبريقها ، أو ربما للدلالة على مدى سرعتها. 

وأما وصفها فوق الحمار ودون البغل فهو ليس وصف لشكلها وإنما حجمها ومقدار ارتفاعها. 

وأما وصف لونها بالبياض فهو لون مثالي لكي يعكس الحرارة وللإشعاعات الضارة في الفضاء. 




وفي الحديث عن قتادة : "أن رسول الله لما أراد ركوب البراق (شمس به) فوضع جبريل يده على معرفته ثم قال: ألا تستحي يا براق مما تصنع، فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه ، قال: فاستحى حتى أرفض عرقا ثم قرَّ حتى ركبته".

و (شمس به) إضطرب ، وإهتز ، مثل أي مركبة تضطرب عند تشغيلها.



وذكر ابن إسحاق عن أم هانئ أنه عندما كذبت قريش الإسراء أعطاهم الرسول ﷺ دليل : "وآية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا وكذا، فأنفرهم (حس الدابة) فندَّ لهم بعير (ضاع) فدللتهم عليه وأنا متوجه إلى الشام، ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير بني فلان فوجدت القوم نياما ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء فكشفت غطاءه وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان.

نفهم من الحديث أن الدابة لها هدير أفزع الجمال (لاحظ حس الدابة وليس صفق جناحين) ، فهبط الرسول ﷺ ، (ولا يظهر سيدنا جبريل هنا) ، فيدلهم على بعيرهم ، الذي رآه مسبقاً (وهو في الجو) ، ثم صادف ﷺ قافلة أخرى جواً ، فهبط بالدابة وشرب ماء ، ثم صعدها ، وانطلق.



وهناك أحاديث عدة عن رحلات أخرى إلى السماء حدثت في المدينة ومجهولة الوجهة : مثل ما روى البيهقي في الدلائل : "أن النبي ﷺ كان في ملأ من أصحابه فجاءه جبريل ، فنكت في ظهره (طرق بالإصبع) ، فذهب به إلى الشجرة ، وفيها مثل وكري الطير ، فقعد في أحدهما وقعد جبريل في الآخر ، فنشأت بنا حتى بلغت الأفق".

وكذلك ما جاء في شعب الإيمان عن أنس بن مالك قال: "قال رسول الله ﷺ : بينا أنا قاعد ، إذ جاء جبريل عليه السلام ، فوكز بين كتفي ، فقمت إلى شجرة فيها مثل وكري الطير ، فقعدت في أحدهما وقعد في الآخر ، فسَميت حتى إذا سدت الخافقين ، وأنا أقلب طرفي ، ولو شئت أن أمس السماء مسست".

و(وكري طير) هو عشين عصافير ، وهو يدل على أن الدابة فيها مقعدين ، وجلس الرسول ﷺ في مقعد ، وجلس جبريل عليه السلام في المقعد الآخر ، وأنه ﷺ قلب طرفه في السماء حوله، ما يدل على شفافية قمرة الدابة التي ركبها. 

أما سبب تسميتها بالشجرة فمجهول ، فقد تكون هيئتها تشبه الشجر كي تختفي عن أنظار الفضوليين ، وهي هنا تختلف عن وصف البُراق تماماً ، فقد تكون دابة أخرى ، أو ربما للبُراق خاصية تغيير الهيئة ، على النحو الذي تفعله المركبات في أفلام الخيال العلمي ،  والله أعلم.



ما مضى كان من أحاديث السنة ، والآن نستهل بأحاديث الشيعة عن البراق :

ذكر تفسير القمي :"جاء جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول الله ﷺ وآله ، فأخذ واحد باللجام وواحد بالركاب ، وسوّى الآخر عليه ثيابه ، فتضعضعت البراق ، فلطمها جبرئيل عليه السلام . ثمّ قال : اسكني يا براق فما ركبك نبي قبله ، ولا يركبك بعده مثله . قال : فَرَقَتْ به ورفعته ارتفاعاً ليس بالكثير ، ومعه جبرئيل عليه السلام يريه الآيات من السماء والأرض ».



وروى الصدوق في الأمالي عن عبد الرحمن بن غنم ، قال : " جاء جبرئيل عليه السلام إلى رسول الله ﷺ وآله بدابة دون البغل وفوق الحمار ، رجلاها أطول من يديها ، خطوها مدّ البصر ، فلما أراد النبي ﷺ وآله أن يركب امتنعت . فقال : جبرئيل إنّه محمّد ، فتواضعت حتى لصقت بالأرض ، قال : فركب ، فكلما هبطت ارتفعت يداها وقصرت رجاها ، وإذا صعدت ارتفعت رجلاها وقصرت يداها ، فمرّت به في ظلمة الليل على عير في أوّل العير ، فنفرت العير من دفيف البراق".

لاحظ وصف حركة القوائم ، تقصر وتطول مثل المكابس التي تعمل بنظام الهيدروليك ، ثم وصف صوت البراق (دفيف) وهو ليس صوت صفق جناحين ، وإنما مشابه للهدير ، مما أفزع الجمال.


 
وكذلك روى العياشي في تفسيره عن أبي عبدالله عليه السلام : « أنّ جبرئيل أتاه ﷺ وآله .. فأيقظه وأمره أن يغتسل به ، ثمّ وضع في محمل له ألف ألف لون من نور،  ثمّ صعد به حتى انتهى إلى أبواب السماء ».

لاحظ أن البُراق وصف هنا كـ(محمل) لا كحيوان ، وأنه مضيء تماماً.



وفي صحيفة الإمام الرضا عن رسول الله ﷺ : "سخّر لي البراق ، وهي دابة من دوّاب الجنة ، ليس بالطويلة ولا بالقصيرة ، فلو أنّ الله عز وجل أذن لها لجالت الدنيا والآخرة في جرية واحدة ، وهي أحسن الدواب لوناً » .
 
وفي روضة الواعظين عن الرسول ﷺ : « وجهها كوجه الإنسان ، وخدها كخد الفرس ، عرقها من لؤلؤ مسموط ، وأذناها زبرجدتان خضراوان ، وعيناها مثل كوكب الزهرة يتوقدان مثل النجمين المضيئين ، لها شعاع مثل شعاع الشمس منحدر عن نحرها الجمان ، منظمومة الخلق ، طويلة اليدين والرجلين ، لها نفس كنفس الآدميين ، تسمع الكلام وتفهمه ، وهي فوق الحمار ودون البغل » 


وصف وجه البُراق كوجه إنسان وخده كخد فرس قد يكون مجازي مثلما يقال لشخص أنه مثل القمر وهو لا يشبه القمر ولكنه بجماله ، لأنه صعب تخيل وجه إنسان بخد فرس ، عموماً ؛ نفهم من الحديث أن البُٰراق رائع التصميم ، ولديه عينين مضيئتين (مثل نجمين) أو مثل مصباحي سيارة ، قد تكون (عرق اللؤلؤ) و(أذني من الزبرجد) أضواء ملونة ، ولديه (شعاع مثل شعاع الشمس ينحدر عن نحره) وهو مثل كشاف جانبي ، يخرج هواء من عوادم (كنفس الآدميين) ، (طويل اليدين والرجلين) وإرتفاعه (فوق الحمار ودون البغل) بإرتفاع سيارات الدفع الرباعي ، (تسمع الكلام وتفهمه) بها نظام صوتي .



عموماً في النهاية لدينا الحقائق التالية :

١- أُسري بالرسول ﷺ من مكة إلى القدس بالجسد وبسرعة خاطفة

٢- جسد الإنسان لا يتحمل الطيران بسرعة عالية ، وأجساد الأنبياء طبيعية وليس بها خاصية خارقة ، بدليل طلب موسى ﷺ رؤية الله ، فيخبره أن جسده لن يحتمل ، وأراه ما حدث للجبل كتجربة عينية

٣- إذاً لابد أن خلال الإسراء أن يكون الرسول ﷺ محمياً بداخل (شيء ما)

نحن ننظر إلى الأشياء كمعجزات وخوارق ، ولكن ماذا لو كانت تلك المعجزات إختراعات لا تخرج عن قوانين الفيزياء، فها هو سيدنا نوح ﷺ يأمره الله بصناعة سفينة ، التي لم تكن البشرية تعرفها ، ولا تعرف أن هذا الخشب الذي يزن أطنان يطفو على سطح الماء كأنه ورقة ، وتعلمه الملائكة طريقة صنعها خطوة بخطوة بحيث لا تميل ولا تنقلب وهذه عملية حسابية دقيقة لا يعرفها إلا من يعمل ببناء السفن ، (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) ، وكان الله قادر أن ينجيه بلا أي وسيلة ، ولكن كانت نجاته من ضمن قوانين الفيزياء الأرضية .

ماذا لو كان البُراق شيء مشابه؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق