يقول الله ﷻ : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
وقال (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس)
و (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى* وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِندَ سِدْرَةِ المُنتَهَى* عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَى* إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى* مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى*)
وهكذا كما تخبرنا الآيات ؛
أُسري بالرسول ﷺ من مكة إلى القدس بالجسد ، ولو كان بالمنام لما كذبته قريش ، ولما إرتد بعض المسلمون ، فالإنسان بالمنام يذهب إلى شتى الأماكن وذلك أمر طبيعي ، لكن حادثة الإسراء كانت منكرة جداً بالنسبة لمعاصريها ، وذلك لأنه أُسري به وهو مستيقظ ، وذلك يعني أنه سيحتاج إلى وسيلة مواصلات ، لأن الطريق إلى القدس بالوسائل المتاحة آنذاك سيكون طويلاً ، كما وثق لنا ذلك الكفار بقولهم: "نَحْنُ نضرب إليها أكباد الإبل الشهر والشهرين، ويذهب مُحَمَّد إليها في ليلة"
إذاً لقد ذهب الرسول ﷺ إلى القدس راكباً ، وراكباً دابة تسمى البُرَاق
ومعنى (تضع حافرها حيث ينتهي طرفها) أن البُراق سريعة للغاية ، لا تكاد تتحرك حتى يتحرك المشهد ، كأنك تشاهد فيلم في وضع سريع جداً.
وقد روى مسلم : "ثم أُتِيت بدابة يقال لها البُراق، فوق الحمار ودون البغل، يقع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، ثم انطلقنا"
وقال عبد الله بن مسعود : أتى رسول الله بالبُراق - وهي الدابة التي كانت تحمل عليها الأنبياء قبله، تضع حافرها في موضع منتهى طرفها - فحُمل عليها ثم خرج به صاحبه يرى الآيات فيما بين السماء والأرض حتى انتهى إلى بيت المقدس".
وذكر ابن إسحاق عن الحسن البصري (مرسلاً) : "أن جبريل أيقظه ثم خرج به إلى باب المسجد الحرام فأركبه البُراق وهو دابة أبيض، بين البغل والحمار، وفي فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه، يضع حافره في منتهى طرفه، ثم حملني عليه ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته".
تميزت هذه الرواية (المرسلة) بوصف جناحين في فخذي البُراق ، لا يستخدمهما للطيران ، وإنما لتحفيز الرجلين ، فالبُراق في العادة نتخيله حصان بجناحين ، لكن بالحقيقة هو لا يستخدم جناحين للطيران ، وإنما يجري بسرعة شديدة حتى ينطلق ، مثل طائرات اليوم.
ثم أن أجنحة الحيوانات كلها تخرج من الظهر ، أما كون الجناح يخرج من الفخذ ، والفخذ (الرجلين) بالمؤخرة ، واليدين بالمقدمة (كعادة نظرة الإنسان للحيوان بأن العضوين في المقدمة هما يدين ، والرجلين صوب المؤخرة للحيوانات ذوات الأربع قوائم) فتصور الجناحين مثل جناحي سيارات الأمريكية بالخمسينات ، حيث يكون الجناحين فوق الإطارين الخلفيين.
وتسمية البُراق بالدابة لا يعني بالضرورة أن تكون حيوان ذا روح؛ لأن الدابة تطلق على كل ما يدب (يتحرك) ، ونحن اليوم ندعو بدعاء الركوب عندما نقود سياراتنا ، مع أن الدعاء في الأصل للدابة ، فأصبح الدعاء يشمل السيارة لأنها تتحرك بنا ، فأصبحت السيارة دابة اليوم.
وأما تسميتها بالبُراق فربما بسبب شدة عكسها للضوء وبريقها ، أو ربما للدلالة على مدى سرعتها.
وأما وصفها فوق الحمار ودون البغل فهو ليس وصف لشكلها وإنما حجمها ومقدار ارتفاعها.
وأما وصف لونها بالبياض فهو لون مثالي لكي يعكس الحرارة وللإشعاعات الضارة في الفضاء.
وفي الحديث عن قتادة : "أن رسول الله لما أراد ركوب البراق (شمس به) فوضع جبريل يده على معرفته ثم قال: ألا تستحي يا براق مما تصنع، فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه ، قال: فاستحى حتى أرفض عرقا ثم قرَّ حتى ركبته".
و (شمس به) إضطرب ، وإهتز ، مثل أي مركبة تضطرب عند تشغيلها.
وذكر ابن إسحاق عن أم هانئ أنه عندما كذبت قريش الإسراء أعطاهم الرسول ﷺ دليل : "وآية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا وكذا، فأنفرهم (حس الدابة) فندَّ لهم بعير (ضاع) فدللتهم عليه وأنا متوجه إلى الشام، ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير بني فلان فوجدت القوم نياما ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء فكشفت غطاءه وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان.
نفهم من الحديث أن الدابة لها هدير أفزع الجمال (لاحظ حس الدابة وليس صفق جناحين) ، فهبط الرسول ﷺ ، (ولا يظهر سيدنا جبريل هنا) ، فيدلهم على بعيرهم ، الذي رآه مسبقاً (وهو في الجو) ، ثم صادف ﷺ قافلة أخرى جواً ، فهبط بالدابة وشرب ماء ، ثم صعدها ، وانطلق.
وهناك أحاديث عدة عن رحلات أخرى إلى السماء حدثت في المدينة ومجهولة الوجهة : مثل ما روى البيهقي في الدلائل : "أن النبي ﷺ كان في ملأ من أصحابه فجاءه جبريل ، فنكت في ظهره (طرق بالإصبع) ، فذهب به إلى الشجرة ، وفيها مثل وكري الطير ، فقعد في أحدهما وقعد جبريل في الآخر ، فنشأت بنا حتى بلغت الأفق".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق