﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا (النَّاسُ) وَ (الْحِجَارَةُ) ﴾
لماذا كان (الناس) و(الحجارة) وقوداً لنار جهنم ، ما الأمر المشترك بينهما والذي تسبب بأن يكونا وقودا للنار ، (الناس) قد علمنا إستحقاقهم لعذاب النار ، أما (الحجارة) فما ذنبها ، وما الذي فعلته ، وهل تملك القرار حتى تستحق العذاب؟
في ذم بني إسرائيل تقول سورة البقرة : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) شبهت السورة قلوبهم بالحجارة وما هو أشد قسوة ، ثم : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ ) وهكذا فضلت الآيات بعض الحجارة على قلوب البشر ، أولا ، ثم أعطتنا حقائق :
١- من الحجارة ما يتفجر منه الأنهار ويخرج منه الماء (هي سبب إنبثاق الماء ومن ثم الحياة التي تنتج عن ذلك).
٢- من الحجارة ما يهبط خشية اللہ (يهبطون ويتحركون بإرادتهم وبسبب خوفهم من اللہ ، مثل في الجبل الذي تصدع عندما تجلى له اللہ في قصة سيدنا موسى ﷺ ).
الآيات تعطينا معلومات واضحة : أن للأحجار ذكاء ما ، وإرادة ما ، يفكرون ، لديهم مشاعر (الخوف) ، ويتحركون (ربما بالطاقة الكامنة) ، وأنهم في بعض الأحوال ؛ أفضل من البشر (كما تخبرنا الآيات) .
عُبدت الأحجار دونا عن سائر الأشياء ، وحتى إن عُبد حيواناً أو نباتاً أو كوكباً ، كان الحجر رمزاً له.
فمناة الآلهة كانت صخرة على ساحل البحر الأحمر ، تذبح عندها القرابين وتلقى في بئر يتبع معبدها ، واللات صخرة بيضاء مربعة في الطائف ، كان بها وبالعزى شيطانان يكلمان الناس (يخرج من الحجرين أصوات) ، والعزى حجر أبيض كذلك ، ذي الشرى حجر أسود خام ذو أربعة أضلاع ، ذي الخلصة حجر أبيض على هيئة تاج ، هبل من العقيق الأحمر ، منطقة الزور في الكويت تسمت على إسم صنم هندي مرصعاً بالأحجار الكريمة، أساف ونائلة فحشا في البيت الحرام فمسخا حجرين فعُبدا.
كل ما بهذا الكون تكوّن نتيجة للإنفجار الكبير (أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) ، من المجرات إلى الغبار والغازات ، والإنسان لم يخرج عن هذه المنظومة ، فمادة خلق الانسان هي الطين ، وهي عبارة عن غبار وماء . والصخور كذلك عبارة عن غبار تجمع وتعرض لضغط ورطوبة وحرارة وبرودة .
أما الغبار فأصله كوني ، وهو حبيبات موجودة في الفضاء ويتراوح مقياسها من صخور صغيرة الى اقل من (1.0) مليمتر ومتوسطها (0.3) ميكرومتر.
ويتكون الغبار من مخلفات إنفجار النجوم ، وأثناء تجمع السحب لتشكيل مجموعة نجمية جديدة ، ويتساقط على الأرض (14,000,000) طنمن الغبار سنويا.
وهكذا نحن والأحجار أبناء عمومة من ناحية مادة الخلق.
المختصون بالأحجار يعرفون أن هناك أحجار مباركة وأحجار خبيثة ، الأحجار المباركة تتأثر بعبادات أصحابها وتشع ألوانها مع حالة أصحابها النفسية والبدنية ، وهناك أحجار خبيثة تجتذب الكيانات الخبيثة ، يستخدمها السحرة ومن يتعامل بالسحر وتسهيل المعاملات وما شابه.
أولا : وعلى رأس الأحجار المباركة : الحجر الأسود ، الذي وإن كان مقدساً لدى العرب لكنهم مع ذلك لم يعبدوه ، وهذا دليل أنهم كانوا يعبدون الحجارة الخبيثة فقط .
والحجر الأسود ليس من كوكب الأرض ، كما قال الرسول ﷺ "نَزَلَ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ" ولكن الجمعية الملكية الجغرافية البريطانية التابعة لجامعة كامبردج العريقة كانت متأكدة من أنه ليس كذلك وأنه مجرد بازلت أسود ، فرصدوا مبلغا هائلا في سبيل قطعة منه لتحليلها، هذا جذب (ريتشارد فرانسيس برتون) (1857) ، وهو ملازم بريطاني، يتقن (29) لغة والكثير من اللهجات ، درس ريتشارد اللغة العربية مدة سبع سنوات، ثم ذهب إلى المغرب ليكتسب اللهجة المغربية، ومنها ذهب إلى مصر على أنه حاج مغربي. تأثر بتعاون المسلمين وبساطتهم . وتأثر بالمسجد النبوي ، وبالكعبة فقال: (لقد هزني ذلك المنظر كثيرًا من الأعماق). ولكنه كان مصممًا على إنجاز مهمته التي جاء من أجلها، وانتظر حتى سنحت الفرصة، وانتزع ثلاث قطع من الحجر الأسود، وذهب بها إلى جدة حيث القنصلية البريطانية، وسلمها للسفير. الذي ذهب معه إلى لندن عن طريق باخرة أسترالية، وثق مغامرته في كتابه (رواية شخصية للحج من المدينة إلى مكة) أحرقت زوجته أكثر من أربعين مؤلفا له بعد وفاته في (1890) , وكان مكروها بسبب أفكاره ، يقال أنه أسلم.
بعد (12) عام من التحليل ، كان العلماء متيقنين أن الحجر الأسود ليس من مجموعتنا الشمسية، وأن تركيبته أقرب للنيازك لكنه ليس مثلها ، فالنيازك تأتي من المجرات القريبة ومعظم تركيبتها متشابهة ، لكن الحجر الأسود أتى من مكان بعيد ، لم يأت منه غير هذا الحجر.
وأنه يمتص الإشعاعات ومنها الضوء ولا يخزنها بل يرسلها ، ربما إلى المصدر الذي جاء منه.
يقول رئيس المجمع العلمي لهيئة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة بمصر، الدكتور عبد الباسط محمد السيد أنه عندما يفعل ذلك فإنه يسجل صور وبيانات من يمرون عليه ، مصداقا لقوله ﷺ ( والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق .
من الأحجار المباركة (بمعنى لديها قابلية للخير أكثر من الشر) ؛ الفيروز ، العقيق ، الزبرجد ، الدر.
من الأحجار الخبيثة (قابليتها للشر أكثر من الخير) ؛ الألماس ، يشب ، حجر مراد ، الهبهاب ، عرق السواحل.
كمثال سنتناول قصة من أشهر قصص الأحجار الخبيثة ؛ قصة جوهرة (هوب) (Hope) :
سرقها (جين بابتيست) (Jean-Baptiste Tavernier) من عين إله هندوسي في القرن (17) ، فاشترتها العائلة المالكة الفرنسية عام (1668) ، فإندلعت الثورة وقطع رأس الملك لويس السادس عشر ورأس زوجته ماري إنطوانيت .
صادر الثوار كل المجوهرات الملكية بما فيها ( ماسة هوب ) ثم فقدت ثم ظهرت في انجلترا عند الملك جورج الرابع ، لكنه بسبب بذخه تملكتها عائلة (هوب) التي تمتلك بنك ، غالباً مقابل رهن لم يتم سداده ، ثم ظل الحجر يتنقل داخل العائلة (هوب) إما بسبب موت مأساوي أو لجنون او لإفلاس ، ثم إشتراها (سليم حبيب) وهو جواهري السلطان عبدالحميد ، وكلنا نعرف قصة السلطان ، ثم إشترى الحجر (بيير كارتير) ، ثم باعه على (إيڤلين) إبنة الثري الأمريكي وزوجة المليونير (نيد ماكلين) ، عموماً جن (نيد) ومات أبناء (إيڤلين) وبيعت أملاكها بالمزاد ، ما عدا الجوهرة التي لم يجرؤ أحد على شرائها ، فتنقلت بين ورثتها لعقدين ، ثم نجحوا في بيعها مع مجموعة مجوهرات كاملة ، فاشترى المجموعة (هاري ونستون) لكنه أهدى الجوهرة لمتحف ، وبينما كان ساعي البريد (جيمس تود) يوصل الماسة إلي المتحف توفيت زوجته واحترق منزله ، ومازالت في متحف (سمثونيان) للتاريخ الطبيعي بواشنطن.
في بحيرة جافة في وادي الموت بجبال (بانامينت) في كاليفورنيا جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية، تحدث هذه الظاهرة الجيولوجية الغامضة .
لو كان السبب هو الرياح أو الجاذبية أو الجليد (كما أُشيع مؤخراً مع أن وادي الموت من أحر وأجف الأماكن في العالم) أو أي سبب فيزيائي آخر ، لكانت كل الصخور تتحرك في إتجاه واحد ، أما ما يحدث فهو أن الصخور تكون متراصة بجانب بعضها فتتحرك في اتجاهات مختلفة بسرعات ومسافات مختلفة.
إرتبط الإنسان بالأحجار منذ القدم ، حتى سيدنا آدم عندما أهبط إلى الأرض جلب معه الحجر الأسود من الجنة ، واتخذها أبناؤه للزينة والثروة أو للعلاج أو لأغراض أخرى .
إن قصة الأحجار الكريمة بدأت مع الإنسان منذ آلاف السنين ، ومقابر المصريون القدماء والسومريون مليئة بالفيروز واللازورد والزمرد والزبرجد والعقيق، أما العرب القدماء فلم يدفنوها معهم ، وإنما إستخدموها للعلاج , فاستعملوا اللؤلؤ لتقوية أعصاب العين وضربات القلب, والياقوت لوقف النزف وتهدئة الروع، كما إستعملوا الزمرد لإتقاء الصرع وإبعاد الحشرات السامة, والفيروز لإتقاء العين الحاسدة , والعقيق لوقف نزف الدم من أي مكان في الجسم .
إن من بدائع خلق الله (الأحجار) ، هل لها إرادة وشعور وحياة وممات وهي جماد ( وإن من شيء إلاّ يسبح بحمد ربّه ، ولكن لاتفقهون تسبيحهم ) ، الله أعلم.
الأحجار تولد في باطن الأرض عبر ملايين السنين ثم تشق طريقها إلينا عبر البراكين ، أحجار أخرى تسقط من السماء ، وغيرها نتيجة لتحجر نباتات أو إفرازاتها ، أو حيوانات وأسماك وكائنات شتى وإفرازاتها .
وقد مدحها القرآن (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ) ، بل وفضلها على قلوب بعض البشر(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) ، وعندما أراد وصف جمال الحور العين قال ( كأنهن الياقوت والمرجان ) و ( وحور عين ، كأمثال اللؤلؤ المكنون)
حفظك الله.
ردحذف