ما أن لف الليل السماء ، وذهب الجن كعادتهم للإستماع إلى حديث أهل السماء ، وإذ بالسماء تنهمر بشهب تلحق كل جني وتحرقه ، تعجبوا ، وقالوا لا بد :" إن هذا الذي حدث في السماء ، لشئ حدث في الأرض " ، فإتفقوا على إستطلاع الخبر وكان من بين هؤلاء سادات للجن من مدينة نصيبين بين الشام والعراق.
وعددهم تسعة ويقال أن أسمائهم : " حسا ومسا ومنشا وشاصر وماصر والأرد وأنيان والأخصم والأحقب" ، عموماً : انطلقوا بهدف حل اللغز ، وهم يقولون بينهم : "إنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع" منذ آلاف السنين "فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصدا " ، فهل سيصبحون مثل البشر الآن ، لا يعلمون إلا ما يحدث على الأرض ، بعد أن يحدث .
بينما كان جن نصيبين يجوبون الصحراء إذ بالرسول ﷺ عائداً من الطائف محبطاً حيث رفضت ثقيف دعوته ، وقذفه سفهاؤهم بالحجارة ، وهو بحالته تلك جلس تحت نخلة يقرأ القرآن ، ما أن سمعوه يقرأ حتى نظر بعضهم إلى بعض ، وقال أحدهم (أنصتوا) ، وتجمعوا حوله يستمعون . ثم (ولوا إلى قومهم منذرين) فلا داعي للمزيد من البحث ، هذا هو ما يبحثون عنه ، هذا هو الحدث الجلل ، الذي تسبب بظهور الشهب في السماء ، وطاروا بين الكثبان يتسابقون إلى قومهم ، من سيكون الأول ليخبرهم : "إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ، ولن نشرك بربنا أحداً".
واعد الرسول ﷺ الجن ، وعرض على الصحابة المجيئ معه ، فذهب عبد الله بن مسعود ، وخط النبي ﷺ خطاً في الأرض ، وأمره :"لا تخرج منه حتى أعود إليك "، ثم قام يقرأ القرآن .
وبدأ ابن مسعود يرى أمثال النسور تهوي من السماء وهي ترفرف ، وأحاطوا بالنبي ، وغشيه السواد حتى لم يعد يسمع صوته ، ثم بدأوا يغادرون ، مع الفجر .
فقال له الرسول :"أنمت ؟"
فرد : "لا والله ، ولقد هممت مرارا ًأن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك تقول :"اجلسوا".
فقال النبي : "لو خرجت لم آمن عليك أن يخطفك بعضهم " ، ثم : " هل رأيت شيئاً ؟"
قال:"نعم يا رسول الله، رأيت رجالا سودا مستثفري ثياباً بيضاً "
فقال: " أولئك جن نصيبين سألوني المتاع والزاد ، فمتعتهم بكل عظم حائل وروثة وبعرة "، فقالوا:" يا رسول الله يقذرها الناس علينا " ، فنهى الناس أن يستنجون بالعظم والروث.
فسأله :"يا نبي الله "، وما يغني ذلك عنهم.
قال:" إنهم لا يجدون عظما إلا وجدوا عليه لحمه يوم أكل، ولا روثة إلا وجدوا فيها حبها يوم أكل "
فقال: " يا رسول الله، لقد سمعت لغطا شديدا ؟ "
فقال: " إن الجن تدارأت في قتيل بينهم ، فتحاكموا إلي ، فقضيت بينهم بالحق ".
هناك عدة آراء للعلماء في رؤية الجن :
1- أن الجن يرون إذا تشكلوا في غير صورهم الأصلية (هيئة البشر أو الثعابين والحيوانات).
2- أن رؤية الجن مختصة بالأنبياء فقط. (الشافعي وابن حزم والنحاس والقشيري).
3- لا يمكن رؤية البشر للجن، سواء كانوا أنبياء أو غير أنبياء.
4- يمكن رؤيتهم ، بدليل رواية البيهقي عن عمار بن ياسر : (قاتلت مع رسول الله ﷺ الجن والإنس، فسئل عن قتال الجن ، فقال: أرسلني رسول الله ﷺ إلى بئر أستقي منها، فرأيت الشيطان في صورته، فصارعني فصرعته، ثم جعلت أدمي أنفه بفهر كان معي أو حجر).
يظهر أن رؤية الجن على حقيقتهم هو ما حدث لابن مسعود ، حيث رآهم بهيئة الدخان الخفيف السريع ، وآخرين يرفرفون مثل النسور ، أو كالظلال السوداء ، أو ككتل سوداء (غيوم) وخفيفة وتتحرك بسرعة .
ومن المثير للإنتباه وصف بعضهم بأن رؤوسهم كالأباريق وهو وصف يشبه شكل المخلوقات الفضائية المألوف ، أي أن رؤوسهم كبيرة وأعناقهم طويلة كعنق الإبريق (أباريق مقلوبة) .
ومن الملفت للنظر طبيعة طعامهم (العظم والروث) ، مما جعل بعض باحثين عصرنا إعتبار الجن كائنات تدخل في صنف البكتيريا أو الفيروسات أو الجراثيم التي تتغدى على الفضلات العضوية ، وهذا ما يدعمه أحد الأحاديث الشريفة: " الطاعون وخز أعدائكم من الجن وهو لكم شهادة " . والطاعون كما هو معروف أنه مرض بكتيري ، وكذلك هناك من يعتقد بأن هناك علاقة بين السرطان والجن (فرضية للباحث كمال غزال).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق