في القرن الرابع ميلادي ؛ كانت اليمن منقسمة بين نفوذ روما وفارس ، أتباع روما كانوا مسيحيين ، بينما اليهود والوثنيين تدعمهم فارس.
ولطالما حارب الفريقين بعضيهما ، وأسهبوا في القتل ، لكن (يوسف عزرا) الملقب ب(ذي نواس) أو (دميانوس) ارتكب الكثير من المجازر بحق المسيحيين في المخا وظفار يريم ومأرب وحضرموت .
لكن أشهر وقائعه كانت في نجران، حيث هدم الأبرشية هناك ، وقتل إحدى عشر ألفا من المسيحيين ، بأن حفر لهم أخدود (حفرة بالطول) ، فكدسهم بنسائهم وأطفالهم ، وسكبوا عليهم القار والزيت وأشعلوا فيهم النار ، بينما كان جنوده يقفون على حواف الحفرة ، يطعنون من يخرج ليعيدوه فيها.
ثم قررت روما الإنتقام من (يوسف عازار) ، فدعمت التُبّع (شمفع يشوع) المسيحي بالمال والعتاد والرجال من الحبشة ، فانتقم من اليهود وهدم معابدهم وقتل وأحرق الكثير حتى هرب معظمهم إلى جزيرة العرب .
وضعف نفوذ فارس في اليمن ، وزاده ضعفا التمرد الذي قاده أحد قادة جيش الحبشة ، وهو المسيحي المتعصب (إبرهة) "ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم في المرتفعات والتهائم" ، حيث قتل (شمفع يشوع) وأعلن نفسه ملكاً : "بسم كرشتس وروحن قدس" .
المصادر البيزنطية والنصوص السبئية لا تذكر هجومه على مكة ، ولكن تذكر حربين في الطائف وحلبان (ثلاثمائة كيلو غرب الرياض) ، وهزيمتهم وتقديم أبناءهم رهائن ، ثم إشتباكه مع المناذرة شمال الجزيرة .
هناك نقش الذي اكتشفه الباحثين ريكمان وفيلبي وليبنز عام (1951م) في مريغان . وترجمته :
(بقوة الرحمن ومسيحة الملك أبرهة زيبمان ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات وقبائلهم (في) الجبال والسواحل . سطر هذا النقش عندما غزا (قبيلة) معد (في) غزوة الربيع في شهر “ذو الثابة” (ابريل) عندما ثاروا كل (قبائل) بنى عامر وعين الملك (القائد) “أبي جبر” مع (قبيلة) على (والقائد) “بشر بن حصن” مع (قبيلة) سعد (وقبيلة) مراد ، وحضروا أمام الجيش ـ ضد بنى عامر (وجهت) كندة وعلى في) وادي “ذو مرخ” ومراد وسعد في وادي على طريق تربن وذبحوا وأسروا وغنموا بوفرة وحارب الملك في حلبن واقترب كظل معد (وأخذ) اسرى، وبعد ذلك فوضوا (قبيلة معد) عمروا بن المنذر (في الصلح) فضمنهم ابنه () (عن أبرهة) فعينه حاكماً على) معد ورجع (أبرهة) من حلـبن (حلبان) بقوة الرحمن في شهر ذو علان في السنة الثانية والستين وسـستمائة).
واضح أنه نوى غزو فارس ، وأن المناذرة صدوه في العراق ، وفي عودته قرر هدم الكعبة إذلالاً للعرب ، وكان سيكون له ذلك ، لولا تحول غامض في الأحداث ؛ أنهى حكمه ، واختفاءه وجيشه الأثيوبي البيزنطي ، ثم إستتباب الأمر لفارس في اليمن والجزيرة العربية حتى حدود الشام .
حتى جاءت رسل الرسول ﷺ تدعو الملوك للإسلام ، كان الملوك يتوقعون أن الرسائل -كالعادة- تطلب العون ، بالمال أو السلاح أو الرجال ، لكنهم تفاجأوا ؛ أن زعيم الحركة الشابة التي لم يسمع بها أحد من قبل ؛ لا يطلب العون ، ولا يريد أن يتبع لا فارس ولا روما ، وإنما يطلب منهم الخضوع لله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق